الأخبار

خطبة الجمعة باللغة العربية في تركيا : الكوارث الطبيعية والزلازل

خطبة الجمعة اليوم في تركيا بتاريخ 31.01.2020

العنوان

لِنَكُنْ عَلَى وَعْيٍ بِالْكَوَارِثِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالنَّوَازِلِ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!
لَقَدْ ضَرَبَ بِلَادَنَا زِلْزَالٌ قَوِيٌّ خِلَالَ الْأُسْبُوعِ الْمَاضِي. وَقَدْ مَلَأَ الْحُزْنُ وَالْكَدَرُ قُلُوبَنَا وَأَفْئِدَتَنَا. وَقُمْنَا بِوَدَاعِ الْعَشَرَاتِ مِنْ إِخْوَتِنَا إِلَى رِحْلَةِ الْآخِرَةِ. وَتَأَهَّبْنَا كُلُّنَا وَاِسْتَنْفَرْنَا مِنْ أَجْلِ أَبْنَاءِ شَعْبِنَا الْمُصَابِينَ وَالَّذِينَ فَقَدُوا بُيُوتَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمْ. وَقَدْ وَاجَهْنَا مَرَّةً أُخْرَى حَقِيقَةَ الْكَوَارِثِ وَالنَّوَازِلِ. وَإِنَّنَا نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمَةَ لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ قَضَوْا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْأَلِيمَةِ وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَ ذَوِيهِمْ وَأُسَرِهِمْ وَأَحِبَّتَهُمْ الصَّبْرَ الْجَمِيلَ. كَمَا وَنَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَمُنَّ بِالشِّفَاءِ عَلَى جَرْحَانَا. وَأَنْ يُنْعِمَ عَلَى كُلِّ الَّذِينَ تَضَرَّرُوا مِنْ هَذَا الزِّلْزَالِ بِأَنْ يَسْتَجْمِعُوا قُوَاهُمْ فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ وَأَنْ يُضَمِّدُوا جِرَاحَهُمْ وَيَعُودُوا إِلَى حَيَاتِهِمْ. وَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَ شَعْبَنَا مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْكَوَارِثِ وَالنَّوَازِلِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاء!
إِنَّ نِظَامَ الْكَوْنِ وَعَمَلِهِ يَسِيرُ وِفْقَ الْقَوَانِينِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي تُسَمَّى “سُنَّةَ اللهِ”. وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ حَدَّدَ هَذِهِ الْقَوَانِينَ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ الَّتِي لَا حُدُودَ لَهَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ التُّرْبَةَ وَالرِّيَاحَ وَالْمَاءَ وَكَذَلِكَ النَّارَ لَهَا تَرْكِيبَةٌ وَتَوَازُنٌ خَاصٌّ بِهَا. وَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الْعَيْشُ وَهُوَ يَعِي هَذِهِ التَّرْكِيبَاتِ وَمِنْ خِلَالِ مُحَافَظَتِهِ عَلَى ذَاكَ التَّوَازُنِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الزَّلَازِلَ تَحْدُثُ هِيَ أَيْضاً وِفْقَ الْقَوَاعِدِ الْإِلَهِيَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ. وَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَ الزَّلَازِلَ؛ وَلَا يُمْكِنُهُ كَذَلِكَ أَنْ يُحَدِّدَ وَقْتَ حُدُوثِهَا وَمَدَى قُوَّتِهَا وَشِدَّتِهَا. وَلَكِنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّخِذَ التَّدَابِيرَ الْمُخْتَلِفَةَ كَيْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْأَضْرَارِ عِنْدَ وُقُوعِ الزَّلَازِلِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّزُولَ بِالْخَسَائِرِ فِي الْأَرْوَاحِ وَالْأَمْوَالِ إِلَى أَقَلِّ حَدٍّ عِنْدَ حُدُوثِ الْكَوَارِثِ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ زَلَازِلَ وَفَيَضَانَاتٍ وَحَرَائِقَ وَغَيْرِهَا لَا يَكُونُ مُمْكِناً إِلَّا مِنْ خِلَالِ اِتِّخَاذِ التَّدَابِيرِ اللَّازِمَةِ وَالْمَطْلُوبَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِل!
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْاَمْوَالِ وَالْاَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِۜ وَبَشِّرِ الصَّابِر۪ينَۙ ” فَالْمُؤْمِنُ يَعِيشُ فِي دُنْيَا الْاِمْتِحَانِ هَذِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ وَيُدْرِكُ أَنَّهُ سَوْفَ يَتَعَرَّضُ لِابْتِلَاءَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَهُوَ يَعِي أَيْضاً أَنَّهُ مَخْلُوقٌ يَتَّسِمُ بِمَحْدُودِيَّةِ الْقُدْرَةِ وَبِالْعَجْزِ وَأَنَّهُ بِصِفَتِهِ عَبْداً يَحْتَاجُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. كَمَا أَنَّهُ يَقِفُ فِي وَجْهِ الْمَصَائِبِ وَالْاِبْتِلَاءَاتِ بِقَدْرِ اِسْتِطَاعَتِهِ وَبِالْقَدْرِ الَّذِي تَسْمَحُ بِهِ طَاقَتُهُ. وَإِنَّهُ يَتَّخِذُ التَّدَابِيرَ وَالْاِحْتِيَاطَاتِ مِنْ خِلَالِ اِسْتِخْدَامِهِ لِعَقْلِهِ وَعِلْمِهِ وَإِعْمَالِ تَجَارُبِهِ. وَبَعْدَ كُلِّ هَذَا يَسِيرُ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّوَكُّلِ وِفْقَ مَا يَقْتَضِيهِ إِيمَانُهُ وَيُوجِبُهُ عَلَيْهِ. وَيَخْرُجُ مِنْ الْمُصِيبَةِ الَّتِي مَرَّ بِهَا بِالصَّبْرِ وَبِالْقُوَّةِ وَالْعَزِيمَةِ. وَيَفُوزُ فِي الْاِخْتِبَارِ الْإِلَهِيِّ مِنْ خِلَالِ الشُّكْرِ عَلَى النِّعْمَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمِحْنَةِ وَالْمُصِيبَةِ. وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِفُ حَالَ الْمُؤْمِنِ هَذَا فَيَقُولُ: ” عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ”

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاء!
لَا شَكَّ أَنَّ الْوَعْيَ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ تُجَاهَ الْكَوَارِثِ وَالنَّوَازِلِ هُوَ مَا تَقْتَضِيهِ النَّظْرَةُ الْإِيمَانِيَّةُ وَتَسْتَوْجِبُهُ. إِنَّ التَّقْدِيرَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَمَّا مَا يَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا نَحْنُ فَهُوَ اِتِّخَاذُ التَّدَابِيرِ وَمِنْ ثَمَّ التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَقَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُنَا تِجَاهَ الْمَصَائِبِ وَالنَّوَازِلِ فَقَالَ: ” إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”
لِذَا فَعَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ الْعِبَرَ وَالدُّرُوسَ مِنْ تَجَارُبِنَا الْأَلِيمَةِ. وَلْنَكُنْ عَلَى جُهُوزِيَّةٍ وَاِسْتِعْدَادٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَوَارِثِ وَالنَّوَازِلِ مِنْ أَجْلِ حَيَاةٍ أَكْثَرَ أَمْناً. وَلْنَتَّخِذْ خُطُوَاتٍ صَحِيحَةً وَسَلِيمَةً تَتَنَاسَبُ مَعَ تَوَازُنِ الطَّبِيعَةِ وَمَعَ حَقِيقَةِ الْمَنْطِقَةِ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا. وَلْنَعْمَلْ عَلَى تَوْعِيَةِ أُسَرِنَا وَتَثْقِيفِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَوَارِثِ وَالْحَالَاتِ الطَّارِئَةِ وَالْعَاجِلَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاء!
مِثْلَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْأَمْسِ فَإِنَّنَا الْيَوْمَ أَيْضاً نَقُومُ كَشَعْبٍ وَاحِدٍ بِتَضْمِيدِ جِرَاحَاتِنَا بِتَعَاوُنِنَا وَتَكَافُلِنَا جَمِيعاً عَلَى اِخْتِلَافِ مُعْتَقَدَاتِنَا وَمَذَاهِبِنَا وَأَعْرَاقِنَا وآرَائِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَإِنَّ دَعْمَ دَوْلَتِنَا وَوَقْفَتِهَا وَتَعَاوُنَ مِلَّتِنَا وَشَعْبِنَا يَفُوقُ كُلَّ تَقْدِيرٍ وَإِشَادَةٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّ بِشَارَةَ رَسُولِنَا الْحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْتَظِرُ أَبْنَاءَ شَعْبِنَا وَمِلَّتِنَا الْأَعِزَّاءَ وَالْمُضَحِّينَ وَالْكُرَمَاءَ، إِذْ يَقُولُ: “وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى