Uncategorized

خطط لإسقاط لينين وساهم في سقوط الجيش الأحمر.. سيدني رايلي الجاسوس الروسي الذي ألهم شخصية “جيمس بوند”

كان للعديد من الروائيين وصُناع الأفلام عدد من الجواسيس العظماء، الذين كانوا سبباً في إلهامهم لصنع أشهر أعمالهم على الإطلاق، علاوة على ذلك كان بعضهم شخصياً جاسوساً في فترة ما من حياته، قبل أن يشرع في كتابة أعماله ومشاركتها مع العالم.

على سبيل المثال، عمل كل من جون لو كارييه مؤلف رواية The Spy Who Came in from The Cold، وجراهام غريني، مؤلف كتاب Our Man in Havana في مجال الاستخبارات البريطانية، قبل أن يصبحا كاتبين.

لكن أشهر مثال على تلك الفكرة هو إيان فليمنغ، الذي وُلد عام 1908، وكان نجلاً لبرلماني بريطاني وتلقى تعليمه في كلية إيتون، قبل أن ينضم للاستخبارات البريطانية

ثم بعدها بسنوات يحقق نجاحاً منقطع النظير بسبب رواياته الاستخباراتية. وكانت تفاصيل جاسوس روسي يُدعى سيدني رايلي محوراً مهماً في ذلك النجاح.

بعد فترة قضاها كصحفي، انضم فليمنغ إلى قسم المخابرات البحرية البريطانية في عام 1939، واستمر طوال الحرب العالمية الثانية، وترقى في النهاية إلى رتبة مساعد شخصي لمدير المخابرات البحرية.

بعد الحرب تقاعد فليمنغ وسافر إلى جامايكا، حيث أثرت على إنتاجه الأدبي، فكتب روايات إثارة وتشويق حققت نجاحات ساحقة، ويرجع الفضل في ذلك بشكل كبير إلى بطلها الأيقوني: العميل السري البريطاني 007، جيمس بوند.

جيمس بوند المقاتل الحريص والبارع، يتمتع بالذكاء الخارق، على الرغم من دوره كأداة واضحة للخدمة السرية لملكة بريطانيا.

وعلى مدار 12 رواية، جاب بوند أوروبا ومنطقة البحر الكاريبي، وواجه السوفييت، وواجه المجرمين الخطيرين، وأوقع في شباكه العشرات من النساء الجميلات.

بعد أن حققت روايات بوند نجاحات واسعة زادت التكهنات حول مَن استخدمه فليمنغ كنموذج ومصدر للإلهام لكتابة قصة بطله.

وبالرغم من أن فليمنغ قال إن بوند مجرد وهم، مؤلف من جواسيس وجنود صادفهم خلال عمله الطويل، كانت النظرية الأكثر ترجيحاً هي تشابه القصة وبعض تفاصيلها مع شخصية جاسوس روسي شهير يُدعى سيدني رايلي.

وكان الجاسوس سيدني جورج ريلي عميلاً جريئاً لصالح المخابرات البريطانية السرية، ما أكسبه لقب “آس الجواسيس”، حتى وضع نظام ستالين حداً لنجاحاته.

من هو الجاسوس الروسي سيدني رايلي؟
وبحسب القليل المعروف عن الحياة المبكرة لسيدني رايلي، فقد اشتهر العميل الروسي لبريطانيا بكونه محتالاً وكاذباً بارعاً منذ شبابه.

وبحسب موقع The Archive للتاريخ يُعتقد أنه ولد في العام 1873 في مدينة خيرسون الأوكرانية، التي كانت آنذاك جزءاً من الإمبراطورية الروسية.

وخلال فترات مختلفة من حياته المربكة ادّعى سيدني أنه نجل لقبطان أو رجل دين في البحر الأيرلندي، ثم قال إن والده كان عقيداً روسياً أرستقراطياً من مالكي الأراضي.

حتى زوجته لم تكن تعرف أصول سيدني رايلي الحقيقية، وبقيت تحت الانطباع بأنه ولد لطبقة من النبلاء البولنديين.

رايلي نفسه ادعى في فترة أن اسمه عند الولادة كان جورجي، وأنه كان يحضر دورة في الكيمياء في فيينا عندما تم استدعاؤه للعودة إلى مدينة أوديسا الساحلية الأوكرانية لحضور جنازة والدته.

استعانت الاستخبارات البريطانية بخبرات وعلاقات سيدني رايلي المتعددة – iStock
استعانت الاستخبارات البريطانية بخبرات وعلاقات سيدني رايلي المتعددة – iStock
لكن خلال التأبين بحسب رواية رايلي، كشف عمه أن جورجي الشاب حينها جاء نتيجة علاقة غرامية بين والدته وطبيب يهودي كان يعالجها.

وبسبب العلاقة، أخذ جورجي اسم الطبيب كوالده، وتظاهر بوفاته في ميناء أوديسا، وهرب على متن سفينة متجهة إلى أمريكا الجنوبية. وهناك ادعى أنه أنقذ ثلاثة ضباط بريطانيين في رحلة استكشافية إلى منطقة الأمازون، والذين عرضوا عليه بعد ذلك زيارة إنجلترا كدعوة لشكره.

مهنة رايلي المبكرة في التجسس
يُعتقد بحسب موقع The History Press للتاريخ، أن معظم رواية سيدني رايلي كانت ملفقة وغير حقيقية، إذ لا توجد سجلات تُثبت ادعاءاته كلها.

وفي عام 1892 كانت هناك اضطرابات طلابية في أوديسا الأوكرانية، التي تبعت الإمبراطورية الروسية حينها، حينها ادعى رايلي أنه كان يدرس هناك.

ثم كانت هناك إقامة وجيزة لسيدني في فرنسا، حيث سرعان ما اشتبه في أنه قتل أحد الأناركيين من أجل سرقة مبلغ كبير من المال.

وعند وصوله إلى إنجلترا في عام 1895، استخدم ثروته المسروقة جيداً في إنشاء مصنع في لندن لإنتاج الأدوية الوهمية المُستخدمة في التجارب العلمية.

حينها لفت الجاسوس الأوكراني الأصل انتباه ويليام ميلفيل، رئيس الفرع الخاص لوحدة الاستخبارات المخصصة لشرطة العاصمة البريطانية لندن.

وقد حافظ رايلي على شبكة واسعة من الاتصالات بين المهاجرين اليهود الروس والأوروبيين، وهو مصدر لا يُقدر بثمن للمعلومات حول السياسات الراديكالية والثورية في روسيا في تلك الحقبة.

يوضح موقع Crime Reads للتاريخ، أنه في عام 1897، التقى الجاسوس الناشئ بمارغريت توماس البالغة من العمر 24 عاماً، ويُعتقد أنه ساعدها على قتل زوجها، الذي كان نائباً مُسناً يبلغ من العمر 63 عاماً. ثم تزوجا في العام التالي.

ولأسباب مجهولة حتى اليوم لم تحقق شرطة لندن في وفاة الزوج أو تشكك في ميراث الزوجين الجديدين، الذي يبلغ مئات الآلاف من الجنيهات.

بعد فترة وجيزة حصل الرجل على جواز سفر بريطاني جديد، ينص على أنه ولد في أيرلندا باسم سيدني جورج رايلي.

وقد توفي الشخص الوحيد الذي حمل اسم سيدني جورج ريلي وهو طفل رضيع أثناء الولادة قبل عقود. وبالتالي استطاع بتلك الحيلة أن يحصل على الهوية الجديدة التي يحتاجها للعودة إلى روسيا بأمان، دون معرفة علاقته ببريطانيا.

علاقة مضطربة مع المال جعلته يعود أدراجه لروسيا
بسبب إدمان المقامرة وتبديد معظم ثروته، سافر سيدني إلى بورت آرثر، التي كانت أكبر ميناء في روسيا على المحيط الهادئ.

انضم رايلي إلى طاقم تجاري لأحد المستثمرين الموردين للروس ومستفيد من الحرب بشكل عام. وعلى مدى السنوات الأربع التالية، كان منصب رايلي بمثابة الغطاء المثالي لدراسة ظروف وسياسات المنطقة.

دور رايلي في الانتصار البحري الياباني المذهل في بورت آرثر غير مفهوم جيداً إلى اليوم، فقد أُطلق عليه “أحد الألغاز التي لم يتم حلها بشأن الحرب الروسية اليابانية. من المعروف أن سيدني تمكَّن هو وشريكه من سرقة خطط الدفاع الروسية، وأن الأضواء الكاشفة الروسية أُطفئت في ظروف غامضة عندما أبحر الأسطول الياباني إلى الميناء في 8 فبراير/شباط 1904”.

بعد شهرين فقط قصفت القوات اليابانية بقايا الأسطول الروسي، وحطمت وجود الإمبراطورية في الصين. في ذلك الوقت اختفى سيدني رايلي مرة أخرى.

مرحلة جديدة مع الاستخبارات البريطانية MI6

ثم عاد رايلي إلى التجسس مجدداً في عام 1918، عندما التقى سميث كومينغ، أحد أقدم الرؤساء وأكثرهم نفوذاً لجهاز المخابرات السرية التابع لمكتب الخدمة السرية البريطاني، والمعروف اليوم باسم MI6.

ونظراً إلى أن الجهاز لن يقبل توظيف رايلي بدون رتبة ضابط، فقد انضم على الفور إلى سلاح الطيران الملكي الكندي وأبحر إلى لندن.

وبالرغم من أن رئيس التجسس اعترف بالفعل بمؤهلات رايلي، فإنه كان لا يزال لديه شكوكه حياله بسبب العديد من المعلومات المجهولة حوله.

في يومياته، في 15 مارس/آذار، سجل لقاءه الأول مع الجاسوس الروسي قائلاً بحسب The History Press: “إنه على استعداد للذهاب إلى روسيا من أجلنا. كما أنه ذكي جداً -فهو مشكوك فيه جداً- لأنه كان موجوداً في كل مكان وفعل كل شيء تقريباً”.

في أقل من شهر، كان رايلي ينسق الأنشطة المناهضة للبلشفية في موسكو.

كما كانت لديه خطط لإثارة تمرد مسلح ضد حكومة فلاديمير لينين وتنصيب بوريس سافينكوف، وزير الدولة السابق، على رأس النظام الروسي المعادي للثورة.

ومع ذلك تعرقلت الخطة، عندما حاولت امرأة شابة إطلاق النار على لينين. واكتشفت الشرطة السرية المؤامرة المفترضة، وبدأت حملة القمع الوحشية المعروفة باسم الإرهاب الأحمر، حيث ذُبح الآلاف من المعارضين للثورة المشتبه بهم.

وبمجرد وصول أخبار المؤامرة إلى الصحافة تم تشويه سمعة رايلي، باعتباره المتآمر الرئيسي وحُكم عليه بالإعدام غيابياً. تبع ذلك مطاردة طويلة له، ولكن بحلول الوقت الذي وصلت فيه الشرطة السرية إلى شقة رايلي في سانت بطرسبرغ اختفى مجدداً.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1918، ساند سيدني الجيش الأبيض المدعوم من فرنسا وبريطانيا -وهي القوات السياسية والعسكرية الروسية المناهضة للبلشفية بين سنتي 1917 و1923- وتجسس خلال الحرب الأهلية الروسية على الجيش الأحمر البلشفي.

ومع خلفيته لم يواجه أي مشكلة في الانضمام إلى طاقم الجنرال أنطون دينيكين، أحد أنجح القادة الروس حينها.

وبحلول 21 فبراير/شباط 1919، عاد إلى لندن مرة أخرى، وتسلم الصليب العسكري، ثم سافر إلى مدينة نيويورك.

وقد رأى رايلي فرصة ذهبية، في سبتمبر/أيلول 1925، عندما التقى بمجموعة من المنفيين الروس في باريس، الذين ادعوا أنهم مجموعة ملكية روسية لا تزال على قيد الحياة.

لكن الأمر كان محض فخ للإيقاع به بترتيب مباشر من قائد جهاز الـKGB أو لجنة أمن الدولة في الاتحاد السوفييتي. ورغم أن رايلي لم يتعرض للتعذيب فإنه تعرض لإعدام وهمي، وهي تجربة أرعبته بما يكفي للتوقيع على أية اعترافات طالبوه بها.

وبحسب The Archive، وُضع الجاسوس الروسي، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1925، في كيس، وتم شحنه إلى شرق موسكو، وهُناك أطلق عليه الرصاص على جانب الطريق في إعدام ميداني فوري.

في القرن الذي أعقب وفاته، أصبح من الصعب تمييز حقيقة حياة سيدني رايلي وما أنجزه فعلاً خلال حياته الخاصة، أو مساعيه في الجاسوسية لصالح الاستخبارات البريطانية. ومع ذلك ظلت سمعته قوية ومثيرة للجدل داخل المخابرات.

يقول ضابط سابق في المخابرات البريطانية الخاصة SIS، “لقد كان جيداً جداً، صحيح أنه كان محتالاً ومخادعاً بعض الشيء، ولكن بصفته وكيلاً لنا فقد كان رائعاً”.

وبعد 20 عاماً من إعدامه، استطاع ضابط بحرية شاب هو إيان فليمنغ، أثناء عمله مدير المخابرات البحرية خلال الحرب العالمية الثانية، فيما بين نوبات تنسيق تجسس الحلفاء في أوروبا المحتلة، أن يجد وقتاً للقراءة عن مآثر جاسوس يحمل الاسم الرمزي “ST1” في الأرشيف، وهو سيدني ريلي، الذي يُعتقد أنه استلهم رواية جيمس بوند 007 منه بشكل مباشر.

اقترح تصحيحاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى