Uncategorized

“أعظم قصة في كيد النساء”.. هند زوجة الحجاج بن يوسف الثقفي

كان الحجاج بن يوسف الثقفي جباراً عنيداً مقداماً في سفك الدماء، تولى مكة والمدينة والطائف والعراق في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وكان أول من ضرب الكعبة بالمنجنيق، عندما توجَّه إلى الحجاز لقتال عبد الله بن الزبير، فحاصر مكة وقتل ابن الزبير وصلب جسده.. وخلال حياته الحافلة بسفك الدماء وقطع الرؤوس، لم يكسر جبروته سوى امرأة من أجمل نساء شبه الجزيرة العربية، تدعى هند بنت المهلب.. تعالوا نروِ لكم حكايتها:

هند بنت المهلب.. “مهرة عربية تحلَّلها بغل”
كانت هند امرأة جميلة ذات حسب ونسب؛ فوالدها هو القائد التابعي المهلب بن أبي صفرة، وأخوها هو يزيد بن المهلب أحد أهم الشخصيات في التاريخ الإسلامي، وإلى جانب جمالها اللافت عُرف عنها خطابتها وفصاحة لسانها وسرعة بديهتها.

لم تكُن هند راغبة بالزواج من الحجاج بن يوسف الثقفي، إلا أنه كان من أقوى الرجال في الدولة الأموية، كما ربطته صلة متينة بآل المهلب، فتزوج ابنتهم هند بعد أن بذل في سبيلها الكثير من المال وكتب لها مؤخر صداق قدره مئتا ألف درهم.

كانت هند الزوجة الرابعة للحجاج، وقد مكثت معه كارهة فترة من الزمن، إلى أن دخل عليها غرفتها في أحد الأيام فوجدها تتأمل حسنها في المرآة وتقول:

وما هند إلا مـهـرة عــربـية سـلالة أفـــراس تحللـها بـغـل

فإن ولدت فحلاً فللـه درهـا وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل

ووفق ما ورد في كتاب “إعلام الناس بما وقع للبرامكة” لمؤلفه الإتليدي، لما سمع الحجاج ذلك عاد أدراجه غاضباً دون أن تنتبه هند لوجوده، وأراد أن يجازيها على قولها ذاك بالطلاق، فبعث إليها غلاماً وطلب منه أن يرد إليها صداقها (مئتي ألف دينار) وأن يطلقها بكلمتين لا يزيد عليهما.

فذهب الغلام إلى هند، وقال لها: كنتِ فبنتِ، أي كنتِ زوجته فبنتِ (من البين أو الفراق) فأصبحت طليقته، لكن فصاحة هند لم تخيبها فردت قائلة: كنا فما فرحنا… فبنا فما حزنا، ولم تكتفِ بهذا الرد بل أعطت المئتي ألف دينار للغلام قائلة له: هذه لك بشارة خلاصي من كلب ثقيف (ثقيف هي القبيلة التي ينتمي إليها الحجاج).

روايات أخرى لطلاق هند
لا بد أن تلك الأبيات التي قالتها هند كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لكن هناك أسباب أخرى دفعت الحجاج لتطليق هند بنت المهلب.

فقد كانت تربطه علاقة وثيقة بأهلها، لكن تغيرت الأحوال بينه وبين آل المهلب فبات يخشى قوتهم ونفوذهم، فوضع إخوة هند في السجن، ولم تكن هند راضية عما فعل الحجاج بإخوتها؛ فقد كانت شديدة التعلق بهم وتحبهم حباً شديداً وخشي الحجاج أن تقتله هند أو تدس له السم بسبب فعلته فطلقها.

وفي رواية أخرى يقال إن الحجاج رأى في منامه أنه قد تم اقتلاع عينيه الاثنتين، وكان حينها متزوجاً بهند بنت المهلب وهند بنت أسماء فطلقهما ظناً منه أن رؤياه تتأول بطلاقهما.

إلى أن جاءه خبر وفاة أخيه محمد بن يوسف في نفس يوم وفاة ابنه محمد بن الحجاج فعلم أن هذا هو تأويل رؤيا اقتلاع عينيه وقال: والله هذا تأويل رؤياي من قبل، محمد ومحمد في يوم واحد، إنا لله وإنا إليه راجعون.

ومهما كانت أسباب طلاق هند، فالطلاق قد وقع وانتقام بنت المهلب لن يكون هيناً على الحجاج.

هند بنت المهلب \ صورة تعبيرية من مسلسل الحجاج بن يوسف الثقفي
هند بنت المهلب \ صورة تعبيرية من مسلسل الحجاج بن يوسف الثقفي
“ولغ الكلب في الإناء يا أمير المؤمنين”
بعد طلاق هند، لم يجرؤ أحد على خطبتها مجدداً خوفاً من الحجاج، إلا أن أخبار جمالها وحسنها ونباهتها وصلت إلى أسماع أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؛ فقرر أن يخطبها لنفسه، وقيل في بعض الروايات إن هند هي من دفعت بعض الشعراء لمدحها أمام الخليفة، وبغض النظر عن الأسباب فقد وقع أمير المؤمنين في غرام هند قبل أن يراها حتى.

وعندما بلغتها رغبة عبد الملك بن مروان بخطبتها، بعثت له كتاباً قالت فيه: بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، أما بعد، فاعلم يا أمير المؤمنين أن الكلب ولغ في الإناء. (وتقصد بالكلب هنا الحجاج بن يوسف الثقفي، ومعنى ولغ الكلب في الإناء أي شرب منه).

فلما قرأ عبد الملك بن مروان كتابها ضحك من قولها وكتب لها حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب ثم قال: اغسلي القذى عن محل الاستعمال.

وبالتأكيد وافقت هند على طلب أمير المؤمنين، لكنها اشترطت أن يقود الحجاج موكبها وهي في طريقها إلى قصر الخلافة وأن يكون حافياً، فضحك الخليفة ضحكاً شديداً من شرطها ووافق عليه.

الحجاج يرد كيد هند
لم يسعَ الحجاج إلا للامتثال لأوامر الخليفة، وبالفعل ذهب إلى دار هند حافياً، ولما تجهزت وركبت مع جواريها في الهوادج، أخذ الحجاج بزمام البعير وراح يقوده متجهاً إلى قصر الخلافة.

وفي الطريق تعمَّدت هند أن توقع من يدها ديناراً بينما يسوق الحجاج الراحلة، فخاطبته قائلة: يا غلام لقد وقع مني درهم فأعطنيه.

فناولها الحجاج نقودها قائلاً: إنه دينار وليس درهماً، فقالت: الحمد لله الذي أبدلني بدل الدرهم ديناراً (وتقصد بذلك أنها تزوجت خيراً منه)، ففهم الحجاج قصدها وأسرَّ الأمر في نفسه وقرر أن يرد كيدها عليها.

وعندما وصلت الراحلة إلى القصر، بقي الحجاج في الإسطبل وتأخر عن حضور الوليمة التي أعدها أمير المؤمنين بمناسبة زواجه، ولما لاحظ الخليفة تغيب الحجاج بعث إليه، فلما وصل امتنع عن الطعام، وقال للخليفة: لا آكل فضلات الرجال.

فهم عبد الملك بن مروان المقصد من ذلك، وضاقت نفسه من كلام الحجاج، فلم يقرب هند بعد زواجهما.

زينة الملوك يثقبها الغجر
انتصر الحجاج في جولة واحدة، لكن الظفر في النهاية كان من نصيب هند بنت المهلب التي علمت أن الخليفة لا يقربها بسبب كلام الحجاج، فلجأت إلى الحيلة مرة أخرى.

بعثت هند في طلب الخليفة مدعية أنها تريد التحدث معه بأمر ما، وما إن وصل حتى تعمدت قطع عقد من اللؤلؤ ثم رفعت ثوبها وراحت تلم حباته في ثنياته.

فتن الخليفة بجمال هند وسحرها، ثم سمعها تقول وهي تلم حبات اللؤلؤ: سبحان الله. فسألها مستغرباً: لم تسبحين الله؟ فقالت: هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك ولكن شاءت حكمته ألا يستطيع ثقبه إلا الغجر.

فتهلل وجه الخليفة بعد أن فهم مقصدها، وقال: نعم والله صدقت، قبح الله من لامني فيك. وتم زواجهما في ذاك اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى