الأخبارالتاريخ

يوم سـ.ـحق العثمانيون الفرسَ على أرضهم تبريز

أعلن السلطان سليم الأول في اجتماع لكبار رجال الدَّولة، والقضاة، ورجال السِّياسة، وهيئة العلماء في عام 920هـ/1514م أنَّ إِيران تمثل خطـ.ـراً جسيماً لا على الدَّولة العثـ.ـمانيَّة وحدها، بل على العالم الإِسـ.ـلامي كلِّه، وأنَّه لهذا يرى الجـ.ـهاد المقـ.ـدَّس ضـ.ـدَّ الدَّولة الصَّـ.ـفويَّة.

وكان رأي السُّلطان سليم هو رأي العلماء أهل في الدَّولة، لقد قام الشَّاه إِسماعيل عندما دخل العراق بذبـ.ـح المسلمين على نطاق واسعٍ، ود.مَّر مساجدهم، ومقـ.ـابـ.ـرهم.

وكتب السُّلطان سليم رسالة إِلى إِسماعيل الصَّفوي قال فيها:

(… إِنَّ علماءنا، ورجال القانون قد حكموا عليك بالقـ.ـصاص يا إِسماعيل! بصفتك مرتـ.ـدَّاً، وأوجبوا على كل مسلمٍ حقيقيٍّ أن يدافع عن دينه، وأن يحطِّم الهراطـ.ـقة في شخصك،

أنت وأتباعك البلـ.ـهاء، ولكن قبل أن تبدأ الحـ.ـرب معكم، فإِنَّنا ندعوكم لحظـ.ـيرة الدِّين الصَّحيح قبل أن نشـ.ـهر سيـ.ـوفنا، وزيادةً على ذلك فإِنَّه يجب عليك أن تتخلَّى عن الأقاليم الَّتي اغتصـ.ـبتها منا اغتـ.ـصـ.ـاباً، ونحن حينئذٍ على استعدادٍ لتأمين سلامتك…).

وكان ردُّ إِسماعيل الصَّفوي على هذا الخطاب أن بعث للسُّلطان العثماني هديةً من الأفـ.ـيون قائلاً: إِنَّه اعتقد أنَّ هذا الخطاب كتب تحت تأثير المخـ.ـدِّر .

في تلك المعـ.ـركة هـ.ـزمت الدولة العثـ.ـمانية الدولة الصفـ.ـوية ودخلت عاصمتها تبريز في إيران الحالية. تعرّف على المعـ.ـركة التي رسمت شكل العلاقات بين العثمانيين والدولة الصفوية لمدة قرنين.

نُسج التاريخ الإنسانيّ بطموحات الملوك والقادة العسـ.ـكريين، وسواءٌ أحببنا هذا أم لا فهذه هي الحقيقة. ومن بين هذه الطموحات والمعـ.ـارك الكبرى التي نشـ.ـبت في المنطقة الإسلامية كانت معـ.ـركة جالديران.

تلك المعـ.ـركة التي أثّرت في شكل وهوية جزءٍ كبير من العالم الإسـ.ـلامي، وربما أثّرت بشكل ما على شكل دولٍ حاليّة.

كانت هذه المعـ.ـركة بين دولتين مسلمتين قويتين حينها، الأولى مذهـ.ـبها الديني الرسمي هو الإسلام السـ.ـنِّي، وتلك هي الدولة العثمانية، والثانية ناشئة حديثاً مذهـ.ـبها الديني الرسمي هو الشـ.ـيعي الاثنـ.ـي عشـ.ـري.

الدولة الصـ.ـفوية والدولة العـ.ـثمانية إلى المـ.ـواجهة

استقرّت الدولة العثـ.ـمانية بعاصمتها إسطنبول بعد فتـ.ـحها عام 1453، وما إن توفي سلطانها القوي محمد الفاتح حتّى بدأ الصـ.ـراع بين خلـ.ـفائه على عـ.ـرش السلطنة. وبينما الدولة منشغلة بالأحداث الداخلية كانت دولةٌ ناشئةٌ أخرى تنمو على حـ.ـدودها، وعاصمتها تبريز في إيران الحالية.

بدأ الشاه إسماعيل الصـ.ـفوي، وهو أشهر ملوك هذه الدولة، في تأسيس دولته التي استمرّت أكثر من قـ.ـرنين من الزمان.

كان الشاه إسماعيل من نسل شيخٍ صوفي يدعى صفيّ الدين الأردبيلي الذي أسس طريقته الصوفية السـ.ـنيّة في منطقة أردبيل (شمال إيران الحالية).

ظلّت هذه الطريقة تهـ.ـتم بالعبادة والتصوف حتّى قرّر أحد شيوخها لاحقاً ويدعى “الشيخ جنيد” تحويلها من المذهـ.ـب الشافعي إلى الجعـ.ـفري الشـ.ـيعي. كما حوّل مريديها إلى جنود، وفي عهد حفيده إسماعيل الصفوي بدأت دولةٌ ناشئة في التكوُّن والتبلور.

ضمّ الشاه إسماعيل العراق وأجزاء أخرى من آسيا، وفرض على سكانها اعتناق المذهب الشـ.ـيعي الاثنـ.ـي عشـ.ـري بالقوّة. ومن المثـ.ـير أن تعرف أنّ إيران نفسها كانت سـ.ـنيّة حتّى غيرها الشاه إسماعيل إلى المذهب الشـ.ـيعي بالقـ.ـوّة والعـ.ـنف.

وهكذا، بدأت الدولة الجديدة تتغـ.ـوّل على حساب الدولة العثـ.ـمانية الغارقة في صـ.ـراعاتها الداخلية من جهة، وفي صـ.ـراعاتها الأوروبية من جهةٍ أخرى.

السلطان سليم الأول ويكيبيديا

السلطان سليم الأول ينقـ.ـضّ على العرش العثـ.ـماني ويبدأ التجهيز للمعـ.ـركة

داخل الدولة العثـ.ـمانية كان سليم الأوّل، حفيد السلطان محمد الفاتح، قد هيّأ لنفسه السيطرة على العرش من أبيه بعدما أطاح بأخويه في سلسلةٍ من “الـ.ـحروب الأهلية”.

وفي هذا الصـ.ـراع كان الشاه إسماعيل قد دعم أخاه أحمد (الأكبر سناً)، وما إن هـ.ـزم السلطان سليم أخويه حتّى توجّه ناحية الشرق، حيث الدولة الصـ.ـفوية، عازماً على دخول معـ.ـركةٍ حاسمة، بل يبدو أنّ خطّته كانت القضـ.ـاء على تلك الدولة الناشئة تماماً.

وتذكر لنا المصادر التاريخيّة أنّ الشاه إسماعيل الصفـ.ـوي كان د.موياً، فبعد أن فرض المذهب الشـ.ـيعي بالقـ.ـوّة على مواطنيه، ارتكـ.ـب بعض المجـ.ـازر بخصوص المواطنين السـ.ـنّة. وبعد تحالفه مع بعض القبائل التركيّة العـ.ـلويّة في آسيا (تدعى قبائل القزلباش) سيطر على بعض مناطق الدولة العثـ.ـمانية في وسط آسيا وفي هضبة الأناضول.

وهكذا، استمرّ الشاه إسماعيل في الاستحـ.ـواذ على بعض مناطق الدولة العثمانية بدايةً من عام 1501 وحتّى عام 1514 عندما أعلنه سليم الأوّل بالحـ.ـرب.

الشاه إسماعيل الصفوي ويكيبيديا

معـ.ـركة جالديران الحاسـ.ـمة

كانت البداية دينية بالطبع، ففي ذلك الزمن لم يكن ممكناً أن يخوض السلطان المسلم حـ.ـرباً مع مسلمين حتّى ولو كانوا شيـ.ـعة، وهكذا أصدر مفتي الإسلام “حمزة أفندي” حكمه بأنّ طـ.ـائفة الصفويين التي يرأسها الشاه إسماعيل استخفّت بشـ.ـريعة الإسلام… وينبغي قتـ.ـالها والقـ.ـضاء عليها”.

في تلك المرحلة كان سليم الأوّل قد أحصى أتباع الشاه إسماعيل الموجودين على حـ.ـدود الأناضول في الأراضي التي ضمّها الشاه في السنين الماضية، وكانوا حوالي 40 ألف إنسان، فأمر بقتـ.ـل الكثيرين وسجـ.ـن بعضهم.

وهكذا، بدأت المراسلات الحـ.ـادّة بين الرجلين، سليم يرسل رسالة للشاه يهـ.ـدده فيها بأنّه قد استصدر فتوى بجواز قتـ.ـله إذا لم يعد إلى رشده ويتخـ.ـلّى عن مذهـ.ـبه، والشاة يردّ عليه بإرسال علبةٍ فيها أفـ.ـيون إشارةً إلى أنّ سليم الأوّل قد فقد عقـ.ـله.

وهكذا تصـ.ـاعدت التهـ.ـديدات حتّى تواعد الطرفان على القـ.ـتال في معـ.ـركةٍ حاسمة، وهكذا جاءت معت.ـركة جالديران عام 1514. بعدما تولّى سليم الأول السلطنة بعامين اثنين فقط.

تحرّك السلطان سليم بعدما جهّز كامل جـ.ـيوشه شرقاً، وفي طريقه إلى سهل جالديران حيث ستكون المعـ.ـركة الفـ.ـاصلة، استـ.ـولى على كلّ ما قابله من قلاعٍ ومدنٍ تابعةٍ للدولة الصفوية، وكان الشاه يحـ.ـرق كلّ المدن والأراضي التي سيستولي عليها سليم في طريقه إلى المعـ.ـركة لاستنزافه وجيـ.ـشه وليقطع طرق الإمـ.ـداد من خلفه.

وفي أغسطس/آب عام 1514 وصل الجيـ.ـش العثماني بقيادة سليم الأوّل إلى سهل جالديران، وبدأت المعركة سريعاً في اليوم التالي لوصول الجيـ.ـش العثماني.

كان الجـ.ـيش العثماني جيّد التدريب، خاض معـ.ـارك وحـ.ـروباً مع إمبراطورياتٍ ودولٍ أوروبيةٍ قائمة وقـ.ـوية، فقد فتـ.ـح القسطـ.ـنطينية منذ نصف قـ.ـرنٍ مضى، ودخل في صـ.ـراعٍ مع بابا روما والبـ.ـندقية وغيرهما من السلطات الأوروبية.

كما تميّز الجـ.ـيش العثماني وقتها بمدفـ.ـعيته الثقيلة جداً، وهكذا انتصر في اليوم الأول من معـ.ـركة جالديران، وجُـ.ـرِحَ الشاه نفسه وهـ.ـرب من ساحة المعـ.ـركة وأسـ.ـرت إحدى زوجاته. ويقال إنّ السلطان سليم أعطى زوجته إلى أحد خدمه إمعاناً في إذ.لال الشاه.

ووصل الأمر أن هـ.ـرب الشاه لعاصمته تبريز، فلاحقه الجيـ.ـش العثماني ودخل عاصمة الدولة الصفوية وسيطر عليها، بعد أن هـ.ـرب منها الشاه هـ.ـروباً سريعاً.

أراد سليم الأول تكملة المعـ.ـركة وملاحقة الشاه والقضـ.ـاء عليه، لكنّ بعض قادة الجـ.ـيش تذمّـ.ـروا وثبّـ.ـطوه عن عزمه، فعاد أدراجه إلى العاصمة إسطنبول، وما إن وصل حتّى قتـ.ـل القادة الذين تذمـ.ـروا، وأرغـ.ـموه على العودة.

ظلّت نتيجة هذه الحـ.ـرب إهـ.ـانةً ماثلةً في جبين الدولة الصفوية، وقد تحيّن الشاه إسماعيل وخلفاؤه الفرص دوماً للانقـ.ـضاض على مؤخرة الدولة العثـ.ـمانية من الشرق،

ودعم بعض الأطراف في أيّ حـ.ـروبٍ أهلية لاحقة، بل والالتفاف على العثمانيين بمراسلاتٍ بين بعض أعـ.ـدائها الأوروبيين، فلم يكن بإمكان الدولة الصفوية مسح عـ.ـار هذه الهـ.ـزيمة سوى بالعـ.ـداء الكامل للدولة العثمانية واقتناص الفرص لإضعافها.

المصدر : أخبار اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى