الأخبار

أزمة الليرة التركية.. لماذا يخوض أردوغان حـ.ـربا على سعر الفائدة؟

تتصدر واجهة الأخبار المتعلقة بتركيا تلك المتابعات الخاصة بتراجع العملة المحلية، وبخاصة أنها تأتي في ضوء حرص الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان على خفض سعر الفائدة الذي رفعه محافظ البنك المركزي السابق إلى 19%، وقد ساهمت تصريحات الرئيس أردوغان في خفض سعر العملة المحلية، مع عوامل أخرى.

وتتلخص وجهة نظر الرئيس التركي، في أن رفع سعر الفائدة أحد أسباب ارتفاع معدل التضخم في البلاد، كما يُعد سعر الفائدة عائقا أمام المستثمرين، لأن سعر الفائدة المرتفع، يزيد تكاليف الإنتاج.

وثمة حجة أخرى يسردها الرئيس التركي، وهي مقارنة سعر الفائدة في بلاده بباقي دول مجموعة العشرين، وخاصة تلك الدول التي تنتمي للاتحاد الأوروبي وأميركا، ففي تلك الدول تنخفض الفائدة إلى ما بين صفر و1%، وفي بلاده ترتفع إلى 19%.

وللاطلاع على حقيقة المشكلة، وأسبابها، وتأثيراتها على الاقتصاد التركي، وعلى تجربة الرئيس أردوغان، الذي كانت الإنجازات الاقتصادية أهم مقومات نجاحه، سنتناول الأمر من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، في السطور الآتية.

ما معالم خطة أردوغان؟
ينطلق الرئيس أردوغان من أن بلاده نجحت في تجربتها الاقتصادية من خلال الاقتصاد الحقيقي، ووصولها لأكبر 20 اقتصاد في العالم كان نتيجة التحسن في ناتجها المحلي الإجمالي، من خلال إنتاج السلع والخدمات، وبالتالي لا بد من المحافظة على هذه الميزة.

ويرى الرئيس أردوغان، أن وصول سعر الفائدة إلى 24% أو 19%، معوق للإنتاج والاستثمار، ويدفع الأفراد والمؤسسات إلى أن يضعوا أموالهم في البنوك، ويغلقوا الشركات والمؤسسات، مكتفين بما يأتيهم من فوائد على أموالهم.

وبلا شك أن هذا السلوك، يحول الاقتصاد التركي إلى اقتصاد ريعي، ويفقده أهم مقوماته كاقتصاد إنتاجي.

وتأتي وجهة نظر الرئيس أردوغان متسقة مع النظرية الاقتصادية في كون رفع سعر الفائدة، يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم من جانب العرض، لأنه يؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج.

ولكن لارتفاع معدلات التضخم أسباب أخرى، من بينها خفض قيمة العملة، لذلك صانع السياسة الاقتصادية في تركيا في مهمة صعبة، فعليه معالجة الأمر، بما يحقق مصالح المستثمرين، والمدخرين، والمستهلكين.

ما وجهة نظر المخالفين للرئيس أردوغان؟

المخالفون للرئيس أردوغان نوعان؛ الأول أولئك الذين يختلفون معه سياسيا، وهؤلاء ليس المجال هنا لتناول وجهة نظرهم، فهم سيخالفونه على طول الطريق. والنوع الثاني هم المخالفون له اقتصاديا، فينطلقون من تبنيهم لمعالجات الأمور في ضوء قراءة السياسات النقدية من منظور رأسمالي، والتي تتلخص في أنه إذا انخفضت قيمة العملة، فعليك رفع سعر الفائدة لتمتص السيولة الزائدة في السوق، وتحافظ على معدلات التضخم.

ولذلك وجدنا القائمين على أمر البنك المركزي التركي، يرفعون سعر الفائدة في سبتمبر/أيلول 2018 إلى 24%، وهو معدل غير مسبوق، وتكرر الأمر في مارس/آذار 2021، حيث تم رفع سعر الفائدة إلى 19%، ولكن بقيت مشكلات الاقتصاد التركي على الصعيدين المالي والنقدي كما هي، مما أدى إلى بقاء البطالة عند معدلات مرتفعة 12.7%، وكذلك وصول التضخم إلى 19.7%.

والمشكلة الحقيقية هنا، غياب التنسيق بين مكونات السياسة الاقتصادية، فالحل لا يكون بإجراءات تخص السياسة النقدية فقط، فلا بد من النظر إلى تداعياتها على الاستثمار، والتجارة، والتوظيف، ومالية الدولة.

ما تداعيات انخفاض سعر الليرة؟

كما أن لخفض سعر العملة المحلية سلبيات، فقد تحقق له إيجابيات في تركيا، ولكن لا يعني ذلك أن انخفاض سعر الليرة مرحب به دائما وعند أي معدلات.

فقد أدى انخفاض قيمة الليرة التركية إلى رفع معدل التضخم ليقترب من سقف 20%، وزادت الأعباء المعيشية على المواطنين، سواء بالنسبة لأسعار السلع والخدمات، أو إيجار المنازل، كما ساعدت بشكل كبير على انتشار ظاهرة الدولرة داخل المجتمع التركي.

وعلى الجانب الآخر، حقق الاقتصاد التركي بعض الإيجابيات من انخفاض سعر الليرة، على رأسها زيادة الصادرات السلعية، وما كان ذلك ليتحقق لولا وجود قاعدة إنتاجية قوية اقتنصت الفرصة، فوصلت قيمة الصادرات السلعية 169.5 مليار دولار بنهاية 2020، على الرغم من التداعيات السلبية لجائحة كورونا، وتستهدف تركيا تجاوز صادراتها السلعية حاجز الـ200 مليار دولار بنهاية 2021.

كما نشط قطاع السياحة في تركيا في ظل تراجع قيمة العملة التركية، فالإحصاءات الرسمية تشير إلى أن عدد السائحين خلال الفترة من يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2021 بلغ 14.1 مليون سائح، وبما يمثل زيادة قدرها 93% عن الفترة المناظرة من عام 2020، وبلا شك أن انخفاض قيمة الليرة سوف يزيد من حركة السياحة في تركيا، والتي تعد من الأنشطة المهمة للاقتصاد القومي.

ما متطلبات نجاح رؤية أردوغان؟

لا يوجد عامل واحد حاسم لتفسير الظواهر الاقتصادية إيجابا وسلبا، فإذا كان الرئيس أردوغان يرى أضرارا لارتفاع سعر الفائدة على اقتصاد بلاده، وأنه من صالح الاستثمار والتوظيف خفض سعر الفائدة، فعلى صانعي السياسة الاقتصادية ببلاده، أن يعدوا الحزمة اللازمة لنجاح هذه الرؤية، من خلال:

  1. تقليل فاتورة الواردات.
  2. الاعتماد بنسب كبيرة على الموارد ومستلزمات الإنتاج المحلية.
  3. الحد من تدفق الأموال الساخنة من الخارج.
  4. ترشيد اقتراض القطاع الخاص، بما يتناسب مع قدراته التمويلية ونشاطه الاقتصادي.

ومن المهم كذلك أن تعمل السياسة الاقتصادية على توفير فرص للاستثمار، يمكنها استيعاب الأموال المتاحة في السوق، لمنعها من التوجه للمضاربات بالبورصة أو على سعر العملة، أو في الأنشطة المتعلقة بالعملات المشفرة أو الفوركس وأشباهها.

ما مظاهر الحضور السياسي لأزمة الليرة في تركيا؟

الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وثمة علاقة لا يمكن إهمالها في قراءة واقع تراجع قيمة العملة التركية، وارتباطها بالأداء السياسي الداخلي والخارجي لحكومة العدالة والتنمية، والرئيس أردوغان.

فالجميع يعلم تحركات الجيش التركي في سوريا والعراق لمواجهة مشروع الدولة الكردية، وما يحمله من تهديدات للأمن القومي التركي، وكذلك الموقف القيمي لتركيا في مناصرة ثورات الربيع العربي، ورفض مشاريع الثورات المضادة، وداعميها في دول المنطقة، وكذلك موقف تركيا في الأزمة الخليجية.

وكذلك موقف تركيا من مخطط شرق المتوسط، ومحاولة تهميشها هي وقبرص التركية، بعيدا عن ثروة الغاز الطبيعي، وحرص تركيا على توازن في علاقاتها الخارجية، وكونها قوة إقليمية لا يجب تجاهلها من قبل القوى الدولية.

وثمة عوامل محلية تمثلت في محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في عام 2016، وما تبع ذلك من محاولات زعزعة الاقتصاد التركية، كمدخل لإسقاط التجربة الديمقراطية، وكذلك محاربة إستراتيجية حزب العدالة والتنمية في اتساع قاعدة توزيع الثروة، وعدم تركزها في يد مجموعة صغيرة من الشركات القابضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى