close
التاريخ

أنقـ.ـذ مسلمي الأندلس ومات دفـ.ـاعاً عن الجزائر .تَعرَّف بالفيديو على “عروج ريس” الذي أُطلِقَ اسمه على سفينة التنقيب التركية

في أغسطس/آب 2020، بدأ اسم “عرّوج ريّس” يتردد في نشرات الأخبار العربية والعالمية بشكلٍ غير مسبوق، إذ تحمل سفينة التنقيب التركية عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط هذا الاسم. ( الفيديو التعريفي في نهاية المقال )

اسم السفينة التي بُنيت في العام 2017، يحمل بعداً تاريخياً ورمزياً كبيراً بالنسبة للأتراك والأوروبيين؛ فـ “عرّوج ريّس” هو أحد أشهر قيـ.ـادات البحرية العثمانية في القرن السادس عشر الميلادي، والذي ساهم – رفقة أخيه خير الدين – بتحويل البحر المتوسط إلى بحيرة إسلامية، من خلال قيـ.ـادة الأسطـ.ـول العثماني للسيطرة على شرق المتوسط تحديداً.

فيما يلي نستعرض سيرة البحّار العثماني عرّوج ريّس، ونسلّط الضوء على أبرز الإنجازات العسـ.ـكرية التي حققها بين عامي 1495 و1518، قبل أن يُـ.ـقتل في تلمسان الجزائرية خلال معـ.ـركةٍ خاضها ضـ.ـد الإسبان.( الفيديو التعريفي في نهاية المقال )

أخـ.ـاف القبطان والأمير المسلم “عروج ريس” الأسـ.ـاطيل الإسبانية في مياه البحر المتوسط لسنوات، لدرجة أن الإسبان طـ.ـافوا بـ.ـرأسه على جميـ.ـع مدن الأندلس عندما تمكنوا أخيراً من قتـ.ـله، وقد كان لعروج وأخيه خـ.ـير الدين بربروس فضل كبير في تبعـ.ـية الجزائر وتونس للسلطنة العثمانية.

لذلك لا عجب أن يشيد له نصب تذكاري في ولاية عين تموشنت الجزائرية ، وأن تسمى ثلاث غواصات تركية باسمه بالإضافة إلى سفينة التنقيب عن النفط التي أطلقتها تركيا في العام 2018.

عروج ريس الشقيق الأكبر لخير الدين بربروس

عروج ريس ما هو إلا واحد من الألقاب الكثيرة التي كني بها هذا البحار العثماني، فقد عرف أيضاً باسم عروج بربروس (أي صاحب اللحـ.ـية الحمراء) وهو ذات اللقب الذي اشتهر به أخاه الأصغر خير الدين بربروس الذي عرف بجـ.ـهاده إلى جانب عروج في شمال أفريقيا وسواحل البحر المتوسط إبان القرن السادس عشر.

أما بابا عروج فهو اللقب الذي اكتسبه إثر إنقاذه لعدد كبير من اللاجئين الأندلسيين الذين فروا من محـ.ـاكم التفتـ.ـيش الإسبانية.

ويقال أنه ولد في ليلة الإسراء والمعراج من عام 1470، لذلك سماه والده عُرُوج بمعنى الارتفاع والصعود.

يختلف المؤرخون حول أصول عائلته إذ قالت بعض المصادر أنها ألبانية، فيما ذكرت أخرى أنها من العائلات المسيحية التي كانت موجودة في جزيرة ميديلي قبل فتـ.ـحها، لكن يرجح أنه تركي الأصل وأن والده هو “يعقوب آغا” هو أحد فرسان السباهية للعثمانيين الذين استقروا في جزيرة ميديلي بعد أن فتـ.ـحها السلطان العثماني محمد الفاتح.

نجـ.ـاته مرتين من فرسـ.ـان رودس  

قبل أن يبدأ عروج ريس بتكوين سمعته كمجـ.ـاهد لا يشق له غبار، كان يعمل في التجارة مع أخوته في جزيرة ميديلي مسقط رأسه.

لكنه قرر ترك أعمال أسرته التجارية والتوجه نحو طرابلس ليبدأ الجـ.ـهاد في مياه المتوسط.

لم تكن بدايات عروج ريس موفقة، فقبل أن يصل إلى وجهته وقع في أسـ.ـر فرسـ.ـان رودس بعد الاشتباك معهم، وهم فـ.ـرقة عسـ.ـكرية صليـ.ـبية أقامت في جزيرة رودس واعتـ.ـادت الإغـ.ـارة على السفن المسلمة.

وبينما باءت محاولات أسـ.ـرته لتحـ.ـريره بالفـ.ـشل، تمكن عروج من تحـ.ـرير نفسه والهـ.ـرب من أسـ.ـر فرسـ.ـان رودس بعد فترة من الزمن حيث توجه حينها إلى الإسكندرية.

آنذاك كان السلطان المملوكي قانصوه الغوري هو حاكم مصر، وقد سمع بمهارات عروج ريس وقرر تعيينه قائـ.ـداً بحرياً لمواجـ.ـهة البرتغاليين.

في تلك الأثناء كان البرتغاليون يهاجـ.ـمون السواحل الإسلامية في الهند وشرق أفريقيا المطلة على المحيط الهندي والبحر الأحمر ويعتـ.ـرضون سفن الحجاج المسلمين ويستـ.ـولون عليها ويقتـ.ـلون من فيها من الحجاج أو يبيـ.ـعونهم كرقيق، مشكلين بذلك خطراً على الملاحة الإسلامية.

وتوجه عروج إلى ميناء باياس الواقع في خليج اسكندرون ليقود من هناك حمـ.ـلته ضـ.ـد البرتغاليين، لكن فرسـ.ـان رودس كانوا يترـ.ـصدون له فأغـ.ـاروا على أسطـ.ـوله وأحـ.ـرقوا السفينة التي كان متواجداً فيها لكن عروج استطاع النجـ.ـاة للمرة الثانية مع بحـ.ـارته وعاد إلى أنطاليا.

عروج ريس يخسر ذراعه في أحد الغزوات

انطلاقاً من مدينة أنطاليا، تابع عروج ريس رحلة جهـ.ـاده البحري بدعم من الأمير كركود ابن السُلطان العثماني بايزيد الثاني والذي كان والياً على أنطاليا آنذاك.

وتمكن عروج ريس خلال فترة بسيطة من اغتـ.ـنام العديد من السفن الحـ.ـربية الإيطالية، الأمر الذي ساعده على توسيع أسطـ.ـوله وزيادة عدد البحارة الذين كانوا يعملون معه.

وبعد تولي السلطان سليم الأول عرش السلطنة العثمانية، توجه عروج للجـ.ـهاد في سواحل قبرص بدعم من السلطان ومن هناك توجه نحو الغرب إلى جزيرة جربة بتونس، حيث استقر فترة من الزمن مع أخيه خضر وتابعا جهـ.ـادهما هناك بدعم من السلطان التونسي.  

ومن شواطئ تونس توجه عروج مع بحارته لغـ.ـزو ميناء نابولي، وهناك وقعت معـ.ـركة بين قوات عروج وسفن كانت متوجهة نحو إسبانيا، حيث قتـ.ـل في هذه المعـ.ـركة عدد كبير من الطرفين، وكان من بين القـ.ـتلى وال لأحد المقاطعات الإسبانية.

وبعد هذه المعـ.ـركة ذاع صيت عروج وقواته في إسبانيا، وأعد الإسبان العدة للقضـ.ـاء عليهم، فأرسلوا أسطـ.ـولاً بحـ.ـرياً إلى بجاية حيث وقعت معـ.ـركة هناك مع عروج وبحارته استطاع عروج خلالها من الاستيـ.ـلاء على سفينة القـ.ـيادة الإسبانية وعدد من السفن الأخرى، إلا أن هذا النصـ.ـر قد كلـ.ـفه ثمناً غالياً، إذ أصيب بجراح بالغة تسببت في قطع ذراعه في النهاية.

إنقـ.ـاذ الأندلسيين من محـ.ـاكم التفتـ.ـيش

ما إن استعـ.ـاد عروج عافيته بعد قطـ.ـع ذراعه، حتى خرج مع بحـ.ـارته للغـ.ـزو ثانية حتى وصلوا إلى سواحل الأندلس حيث كانت مدينة غرناطة الإسلامية قد سقطـ.ـت بيد الإفرنـ.ـج أصحاب محـ.ـاكم التفتـ.ـيش الذين كانوا يقومون بتنـ.ـصير المسلمين أو تعـ.ـذيبهم وقـ.ـتلهم، بالإضافة إلى حـ.ـرق مساجدهم وتدمـ.ـيرها.

فأمر السلطان العثماني الأخوين عروج وخير الدين بربروس بإنقـ.ـاذ المسلمين الواقعين في الأسـ.ـر ونقلهم إلى الجزائر وتونس قبل اقتـ.ـيادهم إلى محـ.ـاكم التفتـ.ـيش الإسـ.ـبانية.

فاخـ.ـترق الإخوة بربروس الحصـ.ـون البحرية، ودمَّـ.ـروا الحاميـ.ـة الإسبانية، ثم دخـ.ـلوا إلى اليابسة، وخاضوا حـ.ـروب شـ.ـوارع إلى أن تمـ.ـكنوا من فـ.ـك أسـ.ـر العديد من المسلمين.

إذ تمّ نقل 70 ألف مـ.ـسلم ويهـ.ـودي أندلسي في أسطـ.ـول من 36 سفـ.ـينة، وذلك في 7 رحـ.ـلات في العام 1529.

استمـ.ـرار غـ.ـزوات عروج

بعد إنقـ.ـاذه مع أخيه خير الدين بربروس لعدد كبير من مسلمي الأندلس، تابع عروج غـ.ـزواته وفتـ.ـوحاته التي كان أبرزها فتـ.ـح قلعة بجاية و فتـ.ـح جيجل.

آنذاك كانت مدينة بجاية الجزائرية واقعة تحت حـ.ـكم الإسبان الذين منـ.ـعوا السكان المسلمين من ممـ.ـارسة شعـ.ـائرهم الدينية كالصلاة والصيام، كما منـ.ـعـ.ـوا تعليم القرآن للأطفال، فوجه الجزائريون رسائل استغـ.ـاثة للأخوين عروج وخير الدين بربروس لإنقـ.ـاذهم من الإسبان.

وبدعم من السلطان العثماني سليم الأول، غادر الأخوان تونس متوجهان نحو قلعة بجاية وفي طريقهما صادفا سفينة محملة ب40 أسيـ.ـراً أندلسياً فقاموا بتحـ.ـريرهم وتابعوا طريقهم إلى بجاية حيث اشتـ.ـبك الطرفان في معـ.ـركة حامية، وتحصـ.ـن الإسبان في القلعة لمدة تسعة وعشرين يوماً، إلا أن عدم امتـ.ـلاك البحارة للمـ.ـدافع حال دون تمكنهم فقرر الإخوة اللجوء إلى الحيـ.ـلة.  

ترك عروج ميناء بجاية منسحـ.ـباً إلى مدينة جيجل، والتي فتـ.ـحها بعد معـ.ـركة بينه وبين حامية جيجل التي تعمل لحساب مدينة جنوة الإيطالية، وبعد أن استـ.ـولى على السفن الإسبانية الموجودة في حامية جيجل توجه بها ثانية

إلى بجاية حيث كان الإسبان المتحصـ.ـنون في القلعة ينتـ.ـظرون المدد، وعند رؤيتهم السفن الإسبانية فتحوا أبواب القلـ.ـعة، فتمكن البحارة العثمانيون بعد ذلك من الاستيـ.ـلاء على القلـ.ـعة بسـ.ـهولة.

حكم الجزائر

عندما فتـ.ـح عروج ريس كلاً من مدينة جيجل وقلعة بجاية، كان الإسبان المتمركزون في قلعة بنون  يحاصـ.ـرون مدينة الجزائر والتي كان يحكمها آنذاك “سالم التومي” من قبيلة بني مزغنة.

وبالرغم من عدم تواجد الإسبان في المدينة، إلا أنهم كانوا يمنـ.ـعون عنها الإمدادات ويفرضـ.ـون ضـ.ـرائب باهـ.ـظة على الجزائريين، الأمر الذي دعا السكان المحليين بالاستغـ.ـاثة بعروج ليخـ.ـلصهم من حكم الإسبان.

خرج عروج فوراً مع قـ.ـواته متجهاً نحو الجزائر حيث استقبل استقبال الفـ.ـاتح، ثم توجه نحو مدينة شرشال واحتـ.ـلها، وترك فيها حامية عسـ.ـكرية، وبعد هذا أرسل عروج خبراً إلى قائـ.ـد الحامية الإسبانية في قلعة بنون طالباً منه الانسـ.ـحاب وتسليـ.ـمها إليه، إلا أنه رفـ.ـض.

فبدأ عروج بقصـ.ـف القلعة واستمر القصـ.ـف لمدة عشرين يوماً بدون انقطـ.ـاع، وبسبب ضعف مـ.ـدافعه لم يؤثر القصـ.ـف في القلعة، الأمر الذي جعل الجزائريين يفقدون ثقتهم به وبالبحارة.

في هذه الأثناء اتفق حاكم الجزائر “سالم التومي” مع الإسبان ضـ.ـد عروج الذي أمر رجاله بقـ.ـتل التومي عندما علم بالأمر ليصبح عروج بذلك حاكماً رسمياً على البلاد.

فـ.ـرض عروج إجـ.ـراءات أمنـ.ـية مشـ.ـددة، وعمل على تأسيـ.ـس إدارة جديدة ونظم أمور البلاد بفـ.ـرض الضـ.ـرائب وتوزيع الحرس وترميم القلعة والأسـ.ـوار، وتابع مد نفـ.ـوذه باستـ.ـرجاع المدن التي يسـ.ـيطر عليها الإسبان.

وبذلك شكل العثمانيون حكومة قوية في شمال أفريقيا، شكلت خـ.ـطراً على الإسبان التي كان لها نفـ.ـوذ واسـ.ـع في هذه المنطقة.

وفاته

حاول الإسبان في أكثر من معركة استعـ.ـادة السيطرة على الجزائر إلا أن عروج كان يتصـ.ـدى لهم ويهـ.ـزمهم في كل مرة إلى أن هـ.ـزم أخيراً في معـ.ـركة مدينة تلمـ.ـسان.

فقد استطاعت القـ.ـوات الإسبانية فرض حـ.ـصار قوي ومحـ.ـكم على المدينة، ودامت فترة الحصـ.ـار ستة أشهر، وبالرغم من أن عروج ريس قد دافـ.ـع دفـ.ـاعاً مستمـ.ـيتاً عن المدينة إلا أنها سقـ.ـطت في النهاية بيد الإسـ.ـبان.

وبقي عروج يقاـ.ـتل الإسـ.ـبان في معـ.ـركة غير متـ.ـكافئة حتى قتـ.ـل مع جميـ.ـع رجاله في العام  1518.

وقُـ.ـطع رأسـ.ـه وحُمـ.ـل إلى إسـ.ـبانيا حيث طـ.ـيف به في أغلب المدن الإسبانية ثم أودع مع مـ.ـلابسه في كنـ.ـيسة سانت جيروم في قرطـ.ـبة.

شاهد بالفيديو القصير قصة البحار عروج ريس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى