close
الأخبار

خطبة الجمعة في تركيا باللغة العربية بعنوان ” القدس دار السلام”

خطبة الجمعة في تركيا باللعة العربية بتارِيخ : 07.02.2020

اَلْقُدْسُ هِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!

سَأَلَتْ أُمُّنَا مَيْمُونَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَتْ “يَا نَبِيَّ اللهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ” فَأَجَابَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِلاً: “أَرْضُ الْمَنْشَرِ، وَالْمَحْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ” فَقَالَتْ أُمُّنَا مَيْمُونَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا “أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ، أَوْ يَأْتِيَهُ” فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجِيباً: ” فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ”


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاء!
إِنَّ الْقُدْسَ هِيَ جَوْهَرَةٌ وَقِيمَةٌ عَالَمِيَّةٌ شَاهِدَةٌ عَلَى أَعْرَقِ الْمَوْرُوثَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ. وَهِيَ رَمْزٌ لِمَوْقِفٍ إِيمَانِيٍّ عَقِيدِيٍ وَلِاِسْتِقَامَةٍ ثَابِتَةٍ تِجَاهَ الْوَحْيِ السَّمَاوِيِّ وَهِيَ شِعَارٌ لِتَوَجُّهٍ يَرْتَكِزُ عَلَى الْمَحَبَّةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مَدِينَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ تَحْمِلُ ذِكْرَيَاتٍ عَزِيزَةٍ لِلْعَدِيدِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الرُّسُلِ. وَهُنَاكَ يَقَعُ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى وَهُوَ قِبْلَتُنَا الْأُولَى. وَإِنَّ رَسُولَنَا الْحَبِيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عِنْدَ بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ: “لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِالْحَرامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى”


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِل!
إِنَّ الْقُدْسَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا “دَارُ السَّلَامِ”. وَلَا شَكَّ أَنَّهَا ظَلَّتْ لِعُصُورٍ عَدِيدَةٍ شِعَاراً وَرَمْزاً لِلْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَالَةِ وَذَلِكَ عِنْدَمَا كَانَتْ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. وَكَانَتْ تُدَارُ كَبَلْدَةٍ يُمْكِنُ لِلْجَمِيعِ، وَلَيْسَ فَقَطْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَحْدَهُمْ، أَنْ يَقُومُوا بِتَأْدِيَةِ عِبَادَاتِهِمْ فِيهَا بِكُلِّ سُهُولَةٍ وَيُسْرٍ وَأَنْ يَعِيشُوا فِيهَا بِكُلِّ طُمَأْنِينَةٍ وَاسْتِقْرَارٍ.
وَلَكِنْ مُنْذُ الْيَوْمِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْقُدْسُ تَحْتَ الْاِحْتِلَالِ نَسِيَتْ الْاِسْتِقْرَارَ وَنَسِيَتْ السَّلَامَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُدْسَ حَزِينَةٌ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى الَّذِي يَقْبَعُ تَحْتَ ظِلَالِ الْمُنَاوَشَاتِ وَالصِّرَاعَاتِ وَالْمَسَبَّاتِ وَالظُّلْمِ الَّذِي لَا يُفَارِقُ سَاحَاتِهِ، هُوَ أَيْضاً حَزِينٌ. وَفِي الْحَقِيقَةِ إِنَّ هَذَا الْاِحْتِلَالَ يَسْتَهْدِفُ وَحْدَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَاتِّحَادَهُمْ وَيَسْتَهْدِفُ مُقَدَّسَاتِهِمْ. وَإِنَّهُ كَذَلِكَ يَمْنَعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِتَأْدِيَةِ عِبَادَاتِهِمْ فِي أَوْطَانِهِمْ الْخَاصَّةِ بِهِمْ وَفِي مَسَاجِدِهِمْ وَجَوَامِعِهِمْ. لَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ فِي قُرْآنِهِ الْكَرِيمِ عَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُلْحِقُونَ الضَّرَرَ وَالْخَرَابَ بِمَسَاجِدِ اللهِ وَيَمْنَعُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعِبَادَةِ فِيهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءَ!
إِنَّ اِحْتِلَالَ فِلِسْطِينَ وَالْقُدْسَ يَعْنِي فِي حَقِيقَتِهِ عَدَمَ السَّمَاحِ بِتَحْقِيقِ السَّلَامِ مِنْ خِلَالِ خَلْقِ الْفَوْضَى الَّتِي تَعُمُّ الْأَرْضَ بِأَسْرِهَا وَالَّتِي لَيْسَتْ مُقْتَصِرَةً عَلَى هَذِهِ الْمَنْطِقَةِ الْمَذْكُورَةِ فَحَسْبُ. وَإِنَّ تَأْجِيجَ الْفَوْضَى وَالْاِضْطِرَابَاتِ فِي الْقُدْسِ وَتَغْذِيَةَ الْحُرُوبِ وَالصِّرَاعَاتِ هُوَ فِي حَقِيقَتِهِ إِعْرَاضٌ عَنْ الْإِنْصَافِ وَالضَّمِيرِ وَالرَّحْمَةِ وَتَنَكُّرٍ لَهَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ مُحَاوَلَاتِ إِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَدِينَةٍ اِحْتَضَنَتْ الْبَشَرِيَّةَ وَالْإِنْسَانِيَّةَ عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ وَالْأَزْمَانِ مِثْلُ الْقُدْسِ، يَعْنِي فِي حَقِيقَتِهِ التَّنَكُّرَ لِكُلِّ الْحُقُوقِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَلِكَرَامَةِ الْبَشَرِيَّةِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَلَّ الْوَحِيدَ بَيْنَمَا تَصِلُ صَرَخَاتُ الْمَظْلُومِينَ وَاِسْتِغَاثَاتُهُمْ إِلَى الْعَرْشِ، هُوَ أَنْ تَتَّحِدَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقِفَ فِي وَجْهِ الظُّلْمِ وَالْاِحْتِلَالِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا مَا اِتَّحَدَ الْمُسْلِمُونَ بِالْإِيمَانِ وَوَحَّدُوا اِمْكَانَاتِهِمْ فَسَوْفَ يُشَكِّلُونَ أَعْدَلَ قُوَّةً وَأَرْحَمَ فِي هَذَا الْعَالَمِ. وَسَوْفَ يَكُونُونَ بِمَثَابَةِ الْأَمَلِ الْمُشْتَرَكِ لِلْإِنْسَانِ الَّذِي يَبْحَثُ عَنْ الْحَقِّ وَالْأَمْنِ. وَلَا يَجِبُ أَنْ نَنْسَى أَنَّ الْقُدْسَ هِيَ الْوَسِيلَةُ الْمُخَلِّصَةُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الذُّلِّ الَّذِي طَالَ مُقَدَّسَاتهَا وَالْفُرْقَةِ الَّتِي نَالَتْ مِنْ وَحْدَتِهَا. وَأَنَّ الْقُدْسَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ هِيَ قَضِيَّةُ الْإِصْلَاحِ تِلْكَ الَّتِي تُعْنَى بِإِصْلَاحِ الْبَيْتِ الْأَرْضِيِّ الْخَرِبِ وَإِصْلَاحِ عَالَمِنَا الَّذِي يَنْزِفُ دَماً وَيَذْرِفُ الدُّمُوعَ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ وَأَقْطَابِهِ.


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاء!
إِنَّ الْقُدْسَ هِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ؛ وَهِيَ تَخُصُّ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّ شَعْبَنَا الْكَرِيمِ مُتَيَّمٌ بِحُبِّ الْقُدْسِ؛ وَيَرَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى هُوَ أَعَزُّ وَأَغْلَى مِنْ رُوحِهِ وَمَالِهِ. وَكَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِالْأَمْسِ فَإِنَّ دَعْمَ أَبْنَاءِ شَعْبِنَا وَمُسَاعَدَاتِهِمْ هِيَ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ أَيْضاً إِلَى جَانِبِ إِخْوَنِنَا الْفِلِسْطِينِيِّينَ الْمَظْلُومِينَ الَّذِينَ هُمْ حُمَاةُ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الْمُبَارَكِ.


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءَ!
قَبْلَ أَنْ أُنْهِي خُطْبَتِي أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ لجِمَيِعِ إِخْوَتِنَا الَّذِينَ قَضَوْا قَبْلَ عِدَّةِ أَيَّامٍ فِي الْهُجُومِ الْغَادِرِ خَارِجَ الْبِلَادِ، وَلِلَّذِينَ وَافَتْهُمْ الْمَنِيَّةُ بَعْدَهَا فِي مَدِينَةِ وَانْ جَرَّاءَ اِنْهِيَارٍ ثَلْجِيٍّ حَدَثَ هُنَاكَ، وَلِلَّذِينَ قَضَوْا مُؤَخِّراً فِي حَادِثِ تَحَطُّمِ الطَّائِرَةِ فِي مَدِينَةِ اِسْطَنْبُولِ، وَكَذَلِكَ لِعَسَاكِرِنَا الَّذِينَ نَهَلُوا مِنْ كَأْسِ الشَّهَادَةِ وَلِحُمَاةِ الْوَطَنِ وَلِفِرَقِ الْإِنْقَاذِ وَلِمُوَاطِنِينَا مِنْ الْمَدَنِيِّينَ، كَمَا وَأَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى الشِّفَاءَ الْعَاجِلَ لِلْجَرْحَى وَالْمُصَابِينَ. عَزَاؤُنَا لِأَبْنَاءِ شَعْبِنَا جَمِيعاً!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى