close
الأخبار

خطبة الجمعة في تركيا باللغة العربية 24 كانون الثاني 2020

خطبة الجمعة باللغة العربية بتارِيخ: 24.01.2020

العنوان

أَنْ يَكُونَ أَبًا يَتَحَلَّي بِالمَسْؤُولِيَّةِ

إِنَّ الْأُسْرَةَ هِيَ مِنْ أَغْلَى النِّعَمِ الَّتِي مَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَلَى الْإِنْسَانِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأُسْرَةَ هِيَ الْأَمَانُ وَهِيَ السَّنَدُ وَالْمَأْوَى. وَهِيَ كَذَلِكَ التَّعَاوُنُ عَلَى الْخَيْرِ وَالْوُقُوفُ فِي وَجْهِ الشَّرِّ وَمَنْعِهِ بِالتَّعَاضُدِ وَالتَّمَاسُكِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُسْرَةَ هِيَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ أَهَمُّ مُؤَسَّسَةٍ تُعِدُّ الْإِنْسَانَ وَتُجَهِّزُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ. فَالْإِنْسَانُ يَتَلَقَّى تَعْلِيمَهُ الْأَوَّلَ مِنْ عَائِلَتِهِ وَأُسْرَتِهِ. وَتَتَشَكَّلُ شَخْصِيَّتُهُ فِي ظِلِّ الْأُسْرَةِ وَكَنَفِهَا. كَمَا أَنَّهُ يَتَعَلَّمُ الْحُبَّ وَالاِحْتِرَامَ وَالاِسْتِقَامَةَ بَادِئَ ذِي بِدْءٍ مِنْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ.

إِنَّ هُنَاكَ مَهَامٌ وَوَاجِبَاتٌ مُهِمَّةٌ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْأَبِ فِي الْأُسْرَةِ كَمَا هُوَ الْحَالُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُمِّ. وَإِنَّ مَسْؤُولِيَّاتِ الْأَبِ لَا تَتَمَثَّلُ فَقَطْ فِي تَوْفِيرِ اِحْتِيَاجَاتِ الْأُسْرَةِ الْمَادِّيَّةِ وَتَسْدِيدِ نَفَقَاتِهَا. بَلْ إِنَّ تَنْشِئَةَ جِيلٍ يَتَلَقَّى تَعْلِيمَ الرَّحْمَةِ وَيَتَحَلَّى بِالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ وَيَمْتَلِكُهَا وَيَتَبَنَّى قِيَمَهُ وَيَتَمَسَّكُ بِهَا، هِيَ الْمَسْؤُولِيَّةُ الْأُولَى لِكُلِّ أَبٍ. وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ: “مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ”


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ الْأُبُوَّةَ هِيَ مِثْلَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ بَذَلَ مَا بِاِسْتِطَاعَتِهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَشَرَّفَ اِبْنُهُ بِالْإِيمَانِ . وَهِيَ تَتَجَلَّى فِي سَعْيِهِ الْحَثِيثِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَفُوزَ اِبْنُهُ بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَقَدْ نَادَاهُ بِكَامِلِ الْأَمَلِ لِلْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ أَنْ رَفَضَ الرُّكُوبَ عَلَى سَفِينَةِ التَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ: “…يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ”


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ الْأُبُوَّةَ هِيَ مِثْلَمَا كَانَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ كَانَ لَا يَتْرُكُ الدُّعَاءَ وَلَا يَغْفُلُ عَنْهُ. وَهِيَ اِلْتِجَاءُ الشَّخْصِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَغْبَةً فِي أَنْ يَكُونَ عَبْداً مُطِيعاً. وَهِيَ كَذَلِكَ تَضَرُّعُهُ إِلَى رَبِّ الْعِزَّةِ عَزَّ وَجَلَّ كَيْ يَمُنَّ عَلَيهِ بِالذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ. فَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ تَضَرَّعَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا الدُّعَاءِ: ” رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَٓا اُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَۖ وَاَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَاۚ اِنَّكَ اَنْتَ التَّوَّابُ الرَّح۪يمُ ” ” رَبِّ اجْعَلْن۪ي مُق۪يمَ الصَّلٰوةِ وَمِنْ ذُرِّيَّت۪يۗ رَبَّـنَا وَتَقَبَّلْ دُعَٓاءِ ”


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ الْأُبُوَّةَ هِيَ مِثْلَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ كَانَ يَحْفَظُ صَلَابَتَهُ وَتَمَاسُكَهُ فِي مُوَاجَهَةِ الْمَصَاعِبِ. وَهِيَ مُوَاجَهَةُ اِمْتِحَانِ الْحَيَاةِ بِالصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ مَهْمَا كَانَ ثَقِيلاً وَصَعْباً. وَهِيَ زَرْعُ الْمَحَبَّةِ وَالْمَرْحَمَةِ وَغَرْسُ حِسِّ الْعَدَالَةِ وَالشَّفَقَةِ فِي نُفُوسِ الْأَبْنَاءِ عَلَى الدَّوَامِ. وَهِيَ كَذَلِكَ نُصْحُهُمْ وَتَنْبِيهُهُمْ إِذَا وَقَعُوا فِي الْخَطَأِ وَعَدَمُ فَقْدِ الْأَمَلِ مِنْ صَلَاحِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَقَدْ قَالَ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُخَاطِباً أَبْنَاءَهُ الَّذِينَ قَامُوا بِإِلْقَاءِ أَخِيهِمْ يُوسُفَ فِي الْجُبِّ بِسَبَبِ الْغِيرَةِ وَالْحَسَدِ: “… بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ اَنْفُسُكُمْ اَمْراًۜ فَصَبْرٌ جَم۪يلٌۜ وَاللّٰهُ الْمُسْتَعَانُ عَلٰى مَا تَصِفُونَ ”


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ الْأُبُوَّةَ هِيَ مِثْلَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا لُقْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ كَانَ يَنْصَحُ اِبْنَهُ وَيَعِظُهُ بِشَفَقَةٍ وَرَأْفَةٍ. وَهِيَ تَعْلِيمُ الْأَبْنَاءِ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ. وَقَدْ نَصَحَ سَيِّدُنَا لُقْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اِبْنَهُ بِهَذِهِ النَّصَائِحَ الْجَمِيلَةَ فَقَالَ: “… يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللّٰهِۜ اِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظ۪يمٌ ” “يَا بُنَيَّ اَقِمِ الصَّلٰوةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلٰى مَٓا اَصَابَكَۜ… ” ” وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْاَرْضِ مَرَحاًۜ اِنَّ اللّٰهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍۚ ” “وَاقْصِدْ ف۪ي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَۜ…”


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ الْأُبُوَّةَ هِيَ السَّيْرُ عَلَى طَرِيقِ سُنَّةِ رَسُولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَباً لِعَائِلَةٍ مِثَالِيَّةٍ يُقْتَدَى بِهَا. فَلَمْ يَكُنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَبْنَائِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَكَانَ إِذَا رَأَى اِبْنَتَهُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَأَخَذَهَا بِيَدَيْهِ وَقَبَّلَهَا بِشَفَقَةٍ وَرَأْفَةٍ وَاِحْتَضَنَهَا بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ وَأَجْلَسَهَا مَكَانَهُ. وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَامِلُ أَبْنَاءَهُ فَقَطْ بِهَذَا التَّفَاهُمِ بَلْ كَانَ يُعَامِلُ جَمِيعَ الْأَوْلَادِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ. وَإِنَّ سَيِّدَنَا أَنَسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّذِي تَرَبَّى وَتَرَعْرَعَ عَلَى يَدِ رَسُولِنَا الْأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُخْبِرُ عَنْهُ فَيَقُولُ: ” خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاللَّهِ مَا قَالَ لِى: أُفًّا قَطُّ ”


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَام!
إِنَّ أَبْنَاءَنَا يَنْتَظِرُونَ مِنَّا الاِهْتِمَامَ وَالشَّفَقَةَ وَالرَّأْفَةَ. وَيُرِيدُونَ أَنْ يَشْعُرُوا بِأَهَمِّيَّتِهِمْ لَدَيْنَا وَمَعَنَا. وَيَتَطَلَّعُونَ إِلَى أَنْ نَكُونَ بِمَثَابَةِ بَوْصَلَةٍ تُرْشِدُهُمْ وَمِيْنَاءٍ يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ فِي مَدْرَسَةِ الْحَيَاةِ هَذِهِ. وَلِهَذَا فَلَا يَجِبُ أَنْ نُهْمِلَ أَبْنَاءَنَا بِسَبَبِ سَعْيِنَا الْحَيَاتِيِّ الْيَوْمِيِّ وَتَفْكِيرِنَا وَقَلَقِنَا بِشَأْنِ الْمَصَارِيفِ وَالتَّكَالِيفِ الْحَيَاتِيَّةِ. وَلْنَعْمَلْ عَلَى أَنْ نُظْهِرَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التَّضْحِيَةِمِنْ أَجْلِ أَنْ نُعِدَّ وَنُنْشِئَ أَجْيَالاً يَكُونُ فِيهَا الْفَائِدَةَ وَالْخَيْرَ لِدِينِهَا وَوَطَنِهَا وَلِلْإِنْسَانِيَّةِ جَمْعَاءَ. وَلْنَحْرِصْ عَلَى أَنْ لَا نَحْرِمَ أَبْنَاءَنَا مِنْ مَحَبَّتِنَا وَاِهْتِمَامِنَا وَدُعَائِنَا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى