close
الأخبار

خطبة الجمعة في تركيا باللغة العربية 6 آذار 2020

التَّارِيخُ: 06.03.2020

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!
لَقَدْ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي غَارِ حِرَاءَ. فَعَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَهَا إِلَى بَيْتِهِ بِثِقَلِ مَا كُلِّفَ بِهِ مِنْ مُهِمَّةٍ، وَقَالَ لِرَفِيقَةِ دَرْبِهِ أُمِّنَا خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا “زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي!”. فَقَامَتْ أُمُّنَا خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِتَدْثِيرِ رَسُولِنَا الْأَكْرَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَغْطِيَتِهِ، وَعَمِلَتْ عَلَى تَهْدِئَتِهِ وَتَسْكِينِهِ، وَأَخَذَتْ تَقُولُ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَبْعَثَ فِي نَفْسِهِ الْأَمَانَ. وَبَعْدَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِفَتْرَةٍ مِنْ الزَّمَنِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا سُبْحَانَهُ: ” يَٓا اَيُّهَا الْمُدَّثِّرُۙ قُمْ فَاَنْذِرْۙ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْۙ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْۙ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْۙ ”

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاء!
إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الْأُولَى مِنْ سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ قَدْ أَمَرَتْ رَسُولَنَا الْحَبِيبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُحَافِظَ عَلَى نَظَافَةِ مَلَابِسِهِ وَبَدَنِهِ عَلَى النَّحْوِ الْمَادِّيِّ، وَكَذَلِكَ أَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ بِاِبْتِعَادِهِ عَنْ الْمُعْتَقَدَاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْآثَامِ عَلَى الصَّعِيدِ الْمَعْنَوِيِّ لِلطَّهَارَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّظَافَةَ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأَوْصَافِ الْأَسَاسِيَّةِ لِلْمُؤْمِنِ، هِيَ أَنْ يَمْتَلِكَ الْمُؤْمِنُ قَلْبَاً مُطْمَئِنّاً إِلَى جَانِبِ اِمْتِلَاكِهِ لِبَدَنٍ نَقِيٍّ وَطَاهِرٍ وَلِلِبَاسٍ خَالٍ مِنْ النَّجَاسَةِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ فَإِنَّ رَسُولَنَا الْحَبِيبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْبِطُ مَا بَيْنَ نَظَافَةِ الْمَظْهَرِ الْخَارِجِيَّةِ وَالْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ: ” الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ ”

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِل!
إِنَّ الشَّخْصَ الَّذِي يَكُونُ مُتَّسِخَ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ وَأَشْعَثَ الشَّعْرِ وَالْلِّحْيَةِ وَالَّذِي لَا يُرَاعِي نَظَافَةَ بَيْتِهِ وَمَكَانِهِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ اِمْتِلَاكِهِ لِمُقَوِّمَاتِ النَّظَافَةِ، هُوَ شَخْصٌ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا هُوَ حَالُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ هُمْ حَوْلَهُ مِنْ النَّاسِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَوْزَ بِرِضَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خِلَالِ عِبَادَتِهِ حَقَّ الْعِبَادَةِ لَا يَكُونُ مُمْكِناً إِلَّا مِنْ خِلَالِ النَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ. وَلَا يَجِبُ أَنْ نَنْسَى أَنَّ الْوُضُوءَ وَالْاِغْتِسَالَ هِيَ نِظَامٌ لِلنَّظَافَةِ لَا مَثِيلَ لَهُ وَهِيَ شُرُوطٌ مُسْبَقَةٌ لِعِبَادَاتٍ عَدِيدَةٍ وَفِي مُقَدِّمَتِهَا الصَّلَاةُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْاِعْتِنَاءَ بِالنَّظَافَةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَظَافَةِ الْفَمِ وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ وَكَذَلِكَ الْاِغْتِسَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَرَّةً فِي الْأُسْبُوعِ عَلَى الْأَقَلِّ، هِيَ سُنَنٌ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تُحِيطُ بِأُولَئِكَ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ بُسَطَاءٍ وَنَظَافَةٍ وَتَقْوَى. وَلَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: ” لَا تَقُمْ ف۪يهِ اَبَداًۜ لَمَسْجِدٌ اُسِّسَ عَلَى التَّقْوٰى مِنْ اَوَّلِ يَوْمٍ اَحَقُّ اَنْ تَقُومَ ف۪يهِۜ ف۪يهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ اَنْ يَتَطَهَّرُواۜ وَاللّٰهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّر۪ينَ ”
وَعِنْدَمَا سَأَلَ رَسُولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَسْجِدِ قُبَاءَ الَّذِينَ مَدَحَتْهُمْ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، فَقَالَ، “إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطَّهُورِ، فَمَا هَذَا الطَّهُورُ الَّذِي تَتَطَهَّرُونَ بِهِ؟” فَقَالُوا “إِنَّنَا نَجْتَهِدُ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ بِاِسْتِعْمَالِ الْمَاءِ”

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِل!
إِنَّ الصِّحَّةَ هِيَ رَأْسُ كُلِّ طِيبٍ وَجَمَالٍ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَإِنَّ رَأْسَ الصِّحَّةِ هُوَ النَّظَافَةُ. وَكَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي الْمَاضِي فَإِنَّ هُنَاكَ أَمْرَاضاً وَأَوْبِئَةً مُعْدِيَةً تَسْتَمِرُّ فِي الْاِنْتِشَارِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ فِي يَوْمِنَا الْحَاضِرِ. وَإِنَّ الْفَيْرُوسَاتِ الَّتِي تُهَدِّدُ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ تَتَسَبَّبُ الْيَوْمَ فِي سُقُوطِ الْوَفِيَّاتِ بِشَكْلٍ جَمَاعِيٍّ. نَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْوُقُوفُ عَلَى أَيٍّ مِنْ الْإِصَابَاتِ فِي بِلَادِنَا. وَلَكِنَّهُ يَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا جَمِيعًا مَسْؤُولِيَّةً مِنْ أَجْلِ حِمَايَةِ أَنْفُسِنَا وَمَنْ نُحِبَّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!
يَجِبُ أَنْ لَا نَتَغَافَلَ عَنْ الْقِيَامِ بِالْاِحْتِيَاطَاتِ الْلَّازِمَةِ مِنْ أَجْلِ أَنْ لَا نَكُونَ عُرْضَةً لِلْإِصَابَةِ بِالْفَيْرُوسَاتِ الْمُخْتَلِفَة الْمُعْدِيَة. وَلْنُرَاعِي قَوَاعِدَ النَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى. وَلْنَغْسِلْ أَيْدِينَا بِفَرْكِهَا جَيِّداً بِالْمَاءِ وَالصَّابُونِ وَذَلِكَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ خِلَالَ الْيَوْمِ. وَلَا يَجِبُ أَنْ نَقُومَ بِلَمْسِ أَعْيُنِنَا وَأُنُوفِنَا وَأَفْوَاهِنَا عِنْدَمَا تَكُونُ أَيَادِينَا مُتَّسِخَةً. وَلْنُكْثِرْ مِنْ شُرْبِ السَّوَائِلِ مِنْ أَجْلِ أَنْ لَا تَضْعَفَ أَجْسَادُنَا. وَلْنَأْكُلْ وَجَبَاتِنَا بِاِتِّزَانٍ وَلْنَنَمْ بِشَكْلٍ مُنْتَظَمٍ. وَلْنَعْمَلْ عَلَى تَكْمِيمِ أَفْوَاهِنَا عِنْدَ الْعَطْسِ أَوْ السُّعَالِ بِمِنْدِيلٍ وَإِذَا لَمْ يَتَوَفَّرْ ذَلِكَ فَلْنُكَمِّمْهَا بِأَيْدِينَا مِنْ جِهَةِ السَّاعِدِ وَالْمِرْفَقِ. وَلْنَعْمَلْ بِشَكْلٍ مُسْتَمِرٍّ عَلَى تَهْوِيَةِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي نَقْطُنُهَا. وَلْنَبْتَعِدْ عَنْ شُرْبِ الْكُحُولِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ الْمَوَادِ الضَّارَّةِ الَّتِي حَرَّمَهَا دِينُنَا وَالَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَجْعَلَ أَبْدَانَنَا عُرْضَةً لِلْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!
إِنَّ رَسُولَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَوْصَانَا فَقَالَ، “وَاغْتَنِمْ صِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ” لَكِنَّنَا أَحْيَانًا نَنْسَى هَذَا التَّنْبِيهَ مِنْ رَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَمَا أَنَّنَا لَا نُدْرِكُ قِيمَةَ اِمْتِلَاكِ بَدَنٍ سَلِيمٍ وَصَحِيحٍ إِلَّا بَعْدَ أَنْ نَفْقِدَهَا. بَيْدَ أَنَّ الْعَيْشَ عَلَى نَحْوٍ مِنَ النَّظَافَةِ وَحِفْظِ الصِّحَّةِ وَحِمَايَتِهَا هُوَ مُهِمَّتُنَا وَوَظِيفَتُنَا الْأُولَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَقَعُ عَلَيْنَا هُوَ الْحِيطَةُ وَالْأَخْذُ بِالتَّدَابِيرِ، أَمَّا التَّقْدِيرُ فَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَا نَنْسَى أَنَّ رَسُولَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُنَا فَيَقُولُ: “إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ”
أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَلِيَّ الْقَدِيرَ أَنْ يَحْفَظَ الْإِنْسَانِيَّةَ جَمْعَاءَ وَفِي مُقَدِّمَتِهَا بِلَادَنَا وَبِلَادَ الْإِسْلَامِ مِنْ كُلِّ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ الْمُعْدِيَةِ وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ.
وَأَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ وَيُنْعِمَ عَلَى جَيْشِنَا الْبَطَلِ الَّذِي يَخُوضُ الْآنَ نِضَالاً عَظِيماً خَارِجَ حُدُودِنَا مِنْ أَجْلِ اِسْتِقْلَالِنَا وَمُسْتَقْبَلِنَا. آمِينْ!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى