الأخبار

خطبة الجمعة 16 آب : الاِسْتِعْدَادُ لِلْكَوَارِثِ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ أَجْلِ حَيَاةٍ آَمِنَةٍ

الاِسْتِعْدَادُ لِلْكَوَارِثِ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ أَجْلِ حَيَاةٍ آَمِنَةٍ


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!
إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الآيَةِ الَّتِي قَرَئْتُهَا: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.”
وَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفَاً: “مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المُسْلِمَ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا.”


أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ الأَعِزَّاء!
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَإِنَّنَا لَنُدْرِكُ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْتَحِنُنَا جَمِيعَاً فِي هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى أَوْجُهٍ مُخْتَلِفَةٍ وَعَدِيدَةٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّنَا نُؤْمِنُ حَقَّ الإِيمَانِ أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا هِيَ دَارُ مَمَرٍّ فَانِيَةٍ، أَمَّا الحَيَاةُ الآخِرَةُ فَهِيَ دَارُ مُسْتَقَرٍّ بَاقِيَةٍ. وَإِنَّنَا نَشْكُرُ اللهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ آلَاءٍ وَنِعَمٍ، كَمَا أَنَّنَا نَتَجَمَّلُ بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ عِنْدَ المَصَائِبِ وَالنَّوَازِلِ. وَإِنَّنَا نَثِقُ بِاللهِ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ جَلَّ جَلاَلُهُ. لَكِنَّنَا مَعَ ذَلِكَ نَعْمَلُ كَبَشَرٍ عَلَى القِيَامِ بِمَسْؤُولِيَّاتِنَا الَّتِي تَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا فِي مُوَاجَهَةِ النَّوَازِلِ وَالكَوَارِثِ الطَّبِيعِيَّةِ.


أَيُّهَا المُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ هَذِهِ الطَّبِيعَة قَدْ خَلَقَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا مِنْ أَكْبَرِ مَجَرَّاتِهَا إِلَى أَصْغَرِ نَمْلَةٍ فِيهَا؛ وَهِيَ كُلُّهَا تَحْتَ تَصَرُّفِهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَآنٍ. وَإِنَّ تَنَاسُقَ الطَّبِيعَةِ الرَّائِعِ وَتَوَازُنِهَا مُرْتَبِطٌ بِحُكْمِ اللهِ وَقَوَانِيْنِهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الكَوَارِثَ النَّازِلَةَ تُؤَثِّرُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ بِشَكْلٍ مُحْزِنٍ وَسَلْبِيٍّ عَلَى حَيَاةِ النَّاسِ، كَمَا أَنَّهَا تَقْلِبُ مَوَازِينَ الطَّبِيعَةِ رَأْسَاً عَلَى عَقِبٍ. وَقَدْ نَتَجَ عَبْرَ التَّارِيخِ عَن الكَثِيرِ مِنْ هَذِهِ الكَوَارِثِ وَالنَّوَازِلِ مِنْ زَلَازِلَ وَسُيُولٍ وَانْهِيَارَاتٍ وَانْزِلَاقَاتٍ وَحَرَائِقَ، خَسَارَاتٍ فِي الأَرْوَاحِ وَالأَمْوَالِ. وَفِي المَاضِي القَرِيبِ عِشْنَا فِي بِلَادِنَا كَوَارِثَ مِنْ زَلَازِلَ وَسُيُولٍ حَيْثُ لَا زَالَتْ قُلُوبُنَا تَعْتَصِرُ بِأَلَمِهَا إِلَى الآن.


أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ الأَعِزَّاء!
إِنَّ القُرْآنَ الكَرِيم قَدْ خَاطَبَ الإِنْسَانِيَّةَ يَدْعُوهَا قَائِلَا: ” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ أَفْسَدَ التَّوَازُنَ القَائِمَ فِي الأَرْضِ بِمُحَارَبَتِهِ لِلطَّبِيعَةِ دُونَ أَدْنَى مَسْؤُولِيَّةٍ، بِقَطْعِهِ لِأَشْجَارِ الغَابَاتِ مِنْ أَجْلِ مَصَالِحِهِ وَمَنَافِعِهِ الشَّخْصِيَّةِ، بِتَلْوِيثِهِ لِلمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَبِتَسَبُّبِهِ فِي جَفَافِ التُّرْبَةِ وَالْأَرْضِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الجُزْءَ الأَهَمَّ مِنْ النَّتَائِجِ السَّلْبِيَّةِ وَالسَّيِّئَةِ لِهَذِهِ الكَوَارِثِ هِيَ بِفِعْلِ أَخْطَائِنَا وَإِهْمَالِنَا. وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى بِهَذَا الصَّدَدِ: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ”


أَيُّهَا المُسْلِمُونَ الأَعِزَّاء!
إِنَّ المُؤْمِنَ يُؤْمِنُ بِأَنَّ تَقْدِيرَ اللهِ وَقَدَرِهِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ. وَهُوَ يُدْرِكُ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ أَنَّ حَوَادِثَ الطَّبِيعَةِ تَحْدُثُ وِفْقاً لِلنِّظَامِ وَالقَوَانِينِ الإِلَهِيَّةِ وَلَكِنْ ضِمْنَ دَائِرَةِ العِلَاقَةِ بَيْنَ السَّبَبِ وَالنَّتِيجَةِ. وَعَلَيْهِ فَالمُؤْمِنُ لَا يَتْرُكُ العَمَلَ وَالأَخْذَ بِالأَسْبَابِ وَيَقُول “سَيَحْدُثُ مَا كَتَبَهُ اللهُ” بَاحِثاً عَنْ التَّسَاهُلِ وَالتَّهَاوُنِ. وَلَا يَتَسَبَّبُ فِي جَلْبِ الكَوَارِثِ وَإِحْدَاثِهَا قَصْداً بِالسَّعْيِ لِلإِضْرَارِ بِالطَّبِيعَةِ. بَلْ إِنَّ المُؤْمِنَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ بِكُلَّ إِتْقَانٍ. وَيَتَّخِذُ شَتَّى الإِحْتِيَاطَاتِ وَالتَّدَابِيرَ. وَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ بِكَامِلِ الأَسْبَابِ المَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَيُؤَدِّي مَسْؤُولِيَّاتِهِ كَافَّة. وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ “اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ”


أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ الأَعِزَّاء!
لِنَتَّخِذْ التَّدَابِيرَ وَالإِحْتِيَاطَاتِ اللَّازِمَة مِنْ أَجْلِ حَيَاةٍ آَمِنَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ. وَلْنَكُنْ عَلَى وَعْيٍ وَاسْتِعْدَادٍ فِي مُوَاجَهَةِ هَذِهِ النَّوَازِل وَالْكَوَارِث. وَلْنَحْرِصْ عَلَى عَدَمِ بِنَاءِ المَنَازِل فِي المَنَاطِقِ المُعَرَّضَةِ لِحُدُوثِ الزَّلَازِلِ وَالْسُّيُولِ وَالإِنْهِيَارَاتِ الأَرْضِيَّةِ. وَلْنَحْرِصْ أَيْضَاً عَلَى تَثْقِيفِ أُسَرِنَا فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْكَوَارِثِ وَحَالَاتِ الطَّوَارِئ. وَلْنَعْمَلْ عَلَى مُرَاجَعَةِ مُدِيرِيَّاتِ المُحَافَظَاتِ التَّابِعَةِ لِرِئَاسَةِ إِدَارَةِ الكَوَارِث وَالطَّوَارِئ (AFAD)فِي المُدُنِ الَّتِي نَقْطُنُهَا وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ التَّعْلِيمِ الخَاصِّ بِالإِسْعَافَاتِ الأَوَّلِيَّةِ وَالمَعْلُومَاتِ وَالدَّعْم.


نَسْأَلُ اللهَ الرَّحْمَةَ لِجَمِيعِ مُوَاطِنِينَا الَّذِينَ فَقَدُوا أَرْوَاحَهُم فِي زِلْزَالِ مَرْمَرَة الَّذِي وَقَعَ فِي السَّابِعِ عَشَر مِنْ أَغُسْطُسْ وَالَّذِي تَمُرُّ بِنَا غَداً ذِكْرَاهُ العِشْرِين، وَلِجَمِيعِ الَّذِينَ فَقَدُوا أَرْوَاحَهُم مِنْ مُوَاطِنِينَا فِي كُلِّ الكَوَارِثِ الَّتِي حَدَثَتْ فِي بِلَادِنَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَنَا وَبِلَادِنَا وَبِلَادِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ كَارِثَةٍ وَنَازِلَةٍ. وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِأَخْذِ الدُّرُوسِ وَالعِبَرِ مِنْ هَذِهِ الكَوَارِث وَالْحَوَادِثِ وَأَنْ نَعِيشَ حَيَاةً مِلْؤُهَا الطُّمَأْنِينَة وَالإِسْتِقْرَارُ وَالأَمْنُ نُؤَدِّي فِيهَا مَسْؤُولِيَّاتِنَا عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى