Uncategorized

له حكاية غريبة مع الرقم 8.. الخليفة “المعتصم” الذي سجن ابن حنبل ومكّن الأتراك في الدولة العباسية .. تابعوا تفاصيل القصة

سنحدثكم اليوم عن الخليفة العباسي محمد بن هارون الرشيد، الملقَّب بـ”المعتصم بالله” والذي مدحه المؤرخون بسبب فتوحاته وشجاعته وذموه بسبب بطشه

وملاحقته العلماء أمثال ابن حنبل وتسليمه مناصب هامة في الجيش والدولة للأتراك. وسنروي لكم قصته الغريبة مع الرقم 8 الذي رافقه طوال من بداية حياته حتى مماته، إلى أن أطلق عليه في نهاية الأمر لقب “المثمن”.

المعتصم بالله.. خليفة قوي أعياه الذهاب إلى الكُتَّاب

عرف المعتصم ببنيته الجسدية القوية وهمته العالية وشجاعته وهيبته حتى قيل إنه كان أهيب الخلفاء العباسيين، ولتحليه بهذه الصفات كان أخوه الخليفة المأمون ميالاً إليه فولاه الشام ومصر كما عهد إليه بولاية العهد من بعده.

مع ذلك فقد كان المعتصم أمياً لا يجيد القراءة والكتابة، فقد كان يكره الذهاب إلى الكتاب كرهاً شديداً، ويروي السيوطي أنه عندما كان صغيراً

كان له غلام يذهب معه إلى الكتاب فمات ذلك الغلام، فقال له والده هارون الرشيد: يا محمد مات غلامك، فقال: نعم واستراح من الكتاب، فقال الرشيد: أيبلغ منك الكتاب هذا؟ اتركوه لا تعلموه.

وهكذا نشأ المعتصم بعيداً عن أجواء العلم والتعلم، مع ذلك فقد اهتم بتلك النواحي عندما آلت إليه الخلافة فتابع عمليات الترجمة والنهضة العلمية التي بدأها سلفه المأمون.

وعلى الرغم من محاسن المعتصم فإنه كان شديداً إذا غضب لم يبالِ من يقتل.

وامعتصماه!
عندما تسلَّم المعتصم بالله الخلافة عام 833، كانت الثورات الداخلية لا تزال مشتعلة من أيام سلفه المأمون، فانشغل المعتصم بإخمادها، كما بدأ بملاحقة الخرميين الذين أسسوا دولة شاسعة في أذربيجان ومزجوا بين المجوسية والإسلام، وبقوا مستعصين على الخلافة العباسية 20 عاماً حتى قضى عليهم المعتصم.

السيف أصدق أنباء من الكتب
عزم المعتصم على مهاجمة عمورية التي كانت مسقط رأس والد الإمبراطور البيزنطي وأهم مدينة في آسيا الصغرى، وجمع جيشاً بلغ تعداده خمس مئة ألف جندي وتولى قيادته بنفسه.

وعلى الرغم من أن المنجمين حذروا المعتصم من هذه المعركة، فقالوا إنه سيخسرها لأن طالع السماء والنجوم يشير إلى شؤم بسبب ظهور مذنب ينبئ بأن المسلمين سيخسرون المعركة حسب قولهم، إلا أن المعتصم لم يلقِ بالاً لهم وانتصر جيشه على جيش الروم في معركة عمورية وحاصر المدينة ثم تمكن من فتحها أخيراً.

وهنا أنشد أبو تمام قصيدته الشهيرة التي ذم فيها المنجمين الذين ادعوا أن المعركة ستكون طالع نحس، وقال:

السيف أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب

والعلم في شهب الأرماح لامعةً بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أين الرواية بل أين النجوم وما صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب

تخرصاً وأكاذيباً ملفقة ليست بنبعٍ إذا عدت ولا غرب

عجائباً زعموا الأيام مجفلةً عنهن في صفر الأصفار أو رجب

وخوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب

وصيروا الأبراج العليا مرتبة ما كان منقلباً أو غير منقلب

وبالرغم من عدم إيمان المعتصم بالمنجمين، فإنه اتخذ قرارات مثل هدم قصر بأكمله بسبب التطير فقط، فقد روى الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء”

أن المعتصم بنى قصراً ضخماً ولما افتتحه ودخل عليه الناس، أنشد أحد الشعراء وكان اسمه “إسحق الموصلي” قصيدة بديعة بهذه المناسبة إلا أنه افتتحها بالوقوف على الأطلال كعادة الشعراء، فقال:

يا دار غيرك البلى ومحاك ياليت شعري ما الذي أبلاك

فتطير المعتصم من مطلع القصيدة، وأمر بهدم القصر.

في هذه الأثناء استغل الروم انشغال الخليفة العباسي بشؤونه الداخلية فأغاروا الحدود الإسلامية، وهاجم جيش الإمبراطور تيوفيل البيزنطي

مدينة زبطرة التابعة للخلافة العباسية فأحرقوها وقتلوا رجالها وسبوا نساءها وأطفالها، الأمر الذي أغضب المعتصم، خاصة أنه كان يعتز بهذه المدينة تحديداً لأنها مسقط رأس والدته.

ويذكر ابن الأثير، أن امرأة هاشمية وقعت في أسر الروم في عمورية، فراحت تستنجد بالمعتصم وتصيح: “وامعتصماه”، ولما بلغ المعتصم ذلك أقسم على الانتقام من الروم، وقرر التوجه إلى عمورية عام 838.

أول من أدخل الأتراك إلى الدولة
في عهد المعتصم كانت المنافسة قائمة بين العرب والفرس على المناصب الهامة في الجيش والدولة، لكن الخليفة العباسي فضَّل أن يمكن الأتراك فجلب الجنود الترك من مناطق آسيا الوسطى كسمرقند وخوارزم وكان أول خليفة يدخل الأتراك إلى الديوان ويسلمهم مناصب حساسة في الجيش والدولة.

ويفسر المؤرخون ميل المعتصم للأتراك كون والدته تركية الأصل.

لكن سرعان ما ملأ الجنود الأتراك بغداد فبلغ عددهم ما يقارب بضعة عشر ألفاً، فتسلطوا على أهلها وضيقوا عليهم، وبدأ سكان بغداد بالاحتجاج على وجود الجنود الأتراك بينهم، فاضطر الخليفة إلى بناء مدينة خاصة لهم.

وهكذا وقع الاختيار على موقع شمالي بغداد، لتبنى فيه مدينة (سر من رأى) أو “سامراء” حالياً، والتي أصبحت عاصمة للمعتصم والخلفاء العباسيين من بعده، ومقراً لجيوشه التركية من المماليك والأحرار.

ابن حنبل ومحنة خلق القرآن

على نهج أخيه المأمون، تمسك المعتصم بالمذهب الاعتزالي ودعا الناس إليه بل أكرههم على اعتناقه كذلك. (والمعتزلة فرقة كلامية اعتمدت على العقل في تأسيس العقيدة وقدمته على النقل ورفضوا الأحاديث التي لا يقرها العقل حسب وصفهم).

ومثلما فعل المأمون، امتحن المعتصم الناس بخلق القرآن، وحارب أولئك الذين لم يؤمنوا بفكرة المعتزلة التي تقول إن كلام الله مخلوق، وكان على رأسهم الإمام ابن حنبل.

ووفقاً لبعض المؤرخين، فقد أجرى الخليفة المعتصم مناظرات في البداية بين ابن حنبل والمعتزلة، وحاول استمالة ابن حنبل لصفه، وحين تفوق ابن حنبل في جميع تلك المناظرات أراد المعتصم تركه وشأنه، لكن نصحه من حوله بسجنه حتى لا يقال إنه قد غلب الخليفتين (أي المعتصم ومن قبله المأمون).

فأمر المعتصم بالقبض على ابن حنبل وسجنه وتعذيبه، لكن يروي ابن كثير أن المعتصم ندم على ذلك وأطلق سراح ابن حنبل لاحقاً، إلا أن محنة خلق القرآن لم يسلم منها في عهد المعتصم سوى علماء قلائل كان من بينهم ابن حنبل، إذ قتل في سبيلها العديد من العلماء الآخرين الذين رفضوا الإقرار بفكرة خلق القرآن.

قصته مع الرقم 8

كان الرقم ثمانية حاضراً بقوة في حياة الخليفة العباسي المعتصم بالله، حتى لقب أخيراً بـ”المثمن”.

فقد كان المعتصم ثامن خلفاء بني العباس و الثامن من أولاد الرشيد، وكان له ثمانية أولاد وثماني بنات، كما أنه وُلد في الشهر الثامن من السنة الهجرية (شعبان) وكان طالعه “العقرب” وهو البرج الثامن.

كذلك فقد تولَّى المعتصم الخلافة سنة ثمان عشرة ومئتين وحكم مدة ثماني سنين وثماني أشهر وثماني أيام، ومات بعمر 48 عاماً بعد أن شهد عهده 8 فتوحات.

حتى إن رقم 8 كان حاضراً في الأشعار التي قيلت في هجاء المعتصم، فقد هجاه أحد الشعراء ويدعى “دعبل الخزاعي” فشبه خلفاء بني العباس الذين سبقوه بأهل الكهف الذين كانوا سبعة ثامنهم كلبهم، فقال فيه:

مُلوكُ بَني العَبّاسِ في الكُتبِ سَبعَةٌ وَلَم تَأتِنا عَن ثامِنٍ لَهُمُ كُتبُ

كَذَلِكَ أَهلُ الكَهفِ في الكَهفِ سَبعَةٌ خِيارٌ إِذا عُدّوا وَثامِنُهُم كَلبُ

وَإِنّي لَأُعلي كَلبَهُم عَنكَ رِفَعَةً لِأَنَّكَ ذو ذَنبٍ وَلَيسَ لَهُ ذَنبُ

كَأَنَّكَ إِذ مُلِّكتَنا لِشَقائِنا عَجوزٌ عَلَيها التاجُ وَالعِقدُ وَالاِتبُ

لَقَد ضاعَ أَمرُ الناسِ إِذ ساسَ مُلكَهُم وَصَيفٌ وَأَشناسٌ وَقَد عَظُمَ الكَربُ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى