الأخبارالتاريخ

معـ.ـركة مـ.ـلاذكرد.. قصة ألب أرسلان الذي أسـ.ـر الإمبراطور البيزنطي وغير مجرى التاريخ

معـ.ـركة ملاذكـ.ـرد.. حين قـ.ـاد “الأسد الشجـ.ـاع” جيـ.ـشاً صـ.ـغيراً لأسـ.ـر إمبـ.ـراطور البـ.ـيزنطيين وأدخـ.ـل الإسـ.ـلام إلى الأنـ.ـاضول

منذ 949 عاماً وقعت معـ.ـركة غيّرت كثيراً في شكل وتركيبة الأناضول (الجزء الآسيوي في تركيا الحالية)، وكذلك في شكل وتركيبة الشعوب التي تعيش في مناطق شمال الشام من ناحية والبلقان من ناحية أخرى.

ذلك أنّ معـ.ـركة ملاذكرد وقائـ.ـدها المحنّك ألب أرسلان لم تكن هزيـ.ـمةً عسـ.ـكرية وسياسية فقط، وإنما هـ.ـزيمة معنوية. ففيها أسـ.ـر المسلمون الإمبراطور البيـ.ـزنطي رومانوس الرابع.

الوضع الإقليمي في تلك الفترة وصعود ألب أرسلان

كانت القبائل والشعوب التركية في وسط وشرق آسيا قد بدأت منذ سنوات هجرتها إلى الأناضول، وإلى مناطق أكثر غنى وحضارةً من مناطقها، مثل إيران والعراق والشام، التي كانت حينئذٍ تحت حكم الخـ.ـلافة العباسية ومقرّها بغداد.

كانت الشعوب التركية شعوباً محـ.ـاربة وقتـ.ـالية، ولهذا بدأ استخدامهم في الوظائف العسـ.ـكريّة، ومع مرور الوقت أصبح منهم قـ.ـادة عسـ.ـكريون كبار في بغداد وبقية الحواضر الإسلاميّة، وبالتالي أصبح لديهم مقاليد السلطة في العالم الإسلامي.

كان الخلـ.ـيفة العباسي في ذلك الوقت ضعيفاً، لا يملك من أمر نفسه شيئاً، وكانت دولة بني بويه الفارسية الشيعية تتحكّم في العاصمة بغداد وفي الخلـ.ـيفة الذي ليس له من لقب الخلـ.ـيفة سوى الاسم والتشريفات والبروتوكولات الرسمية فقط.

ألب أرسلان

في ذلك الوقت صعـ.ـد شابٌ عسـ.ـكريّ تركي اسمه طغرل بك، استطاع أن يوسِّع نفوذه العسـ.ـكري والسياسي في الخـ.ـلافة العباسية .

وفي ظروفٍ سياسية معـ.ـقدة استطاع أن يطـ.ـيح بعرش آل بويه، ويصادق الخلـ.ـيفة الذي كان خائفاً من هذا التمـ.ـدد الشـ.ـيعي في عاصمة الخـ.ـلافة الإسـ.ـلاميّة.

سيـ.ـطر طغرل بك على مقـ.ـاليد الخـ.ـلافة والدولـ.ـة العباسية كلها، ولكنّها حين توفَّى لم يكن له وريث، وهنا بدأت حـ.ـروب ولاية العهد،

استطاع شاب صغير اسمه ألب أرسلان (أي الأسد الشجـ.ـاع) أن يحسـ.ـمها لصالحه عام 1063، وكان عمره آنذاك 33 عاماً فقط.

وبهذا حفظ الدولة السلجوقيّة التي كانت عاصمتها مدينة الريّ (في إيران حالياً) من التفكُّك، وكذلك حمى الدولـ.ـة الإسلامية نفسها من التفكُّك باعتبارها دولـ.ـة قائمة على هذا الوجود السلجوقي العسكـ.ـري.

إذا خرجنا عن نطاق الدولة العباسية، فهناك دولتان كانت تحـ.ـرشاتهما بالدولة العباسية وتحـ.ـرشها هي بهما أيضاً كبيرة.

فأولاً الدولة الفاطمية الشـ.ـيعية في مصر والتي كانت تضمّ إليها جزءاً كبيراً من بلاد الشام، وكذلك الدولة البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية (إسطنبول حالياً) والتي بدأ الصـ.ـراع بينها وبين العالم الإسلامي منذ نشأ الإسلام وتوسَّع في الشام.

ألب أرسلان إلى حلب والإمبراطور البيزنطي يقرر القضـ.ـاء عليه!

بعدما قضـ.ـى ألب أرسلان على القلـ.ـاقل الداخلية، قرر ضـ.ـمّ حلب من الدولة الفاطـ.ـمية واستطاع ضمّها عام 1071، ولكنّ هذا الضمّ الذي يقع على حدود الإمبراطورية البيزنطية أقلـ.ـق الإمبراطور البيزنطي، الذي كان قاـ.ـئداً عسكرياً ماهراً.

فماذا كانت أوضاع البيزنطيين في تلك الفترة؟

توفي الإمبراطور البيزنطي قسطنطين العاشر دوكاس عام 1067، وترك أرملته الإمبراطورة أيدوكيا مكرمبولتيسا لتدير الدولة.

كان على الإمبراطورة أن تختار زوجاً لها، وفي تلك الأثناء كان هناك قائـ.ـدٌ عسـ.ـكريٌّ ماهر اسمه رومانوس ديوجينيس كان نجمه قد بدأ في السطوع، فتزوجته ليصبح إمبراطوراً.

بدأ رومانوس بترتيب وتنظيم الجـ.ـيش البيزنطي المـ.ـتداعي، خصوصاً أنّ الإمبراطورية كانت قد دخلت في مراحل الضعف والانهـ.ـيار البطيء.

ويبدو أنّ جهود رومانوس قد بدأت تؤتي أكلها، لكنّ زواجه بالإمبراطورة كان أيضاً قد أكسبه بعض العـ.ـداوات في البلاط الإمبراطوري وفي العائلات الأرستقراطية في الإمبراطورية.

وكان عليه أن يحقق نصـ.ـراً ضـ.ـخماً ليـ.ـخرس به خصـ.ـومه، خصوصاً أفراد عائلة الإمبراطور المتوفى الذي جاء رومانوس مكانه.

معـ.ـركة مـ.ـلاذكرد

ما إن دخل السلطان السلجوقيّ الشاب حلب بداية عام 1071 حتّى بدأ رومانوس بتجهيز جيـ.ـوشه للتحـ.ـرُّك والقضـ.ـاء على التـ.ـوغُّل السلجوقي ذاك.

فقد اعتبر الإمبراطور أنّ ضـ.ـمّ السلاجقة لحلب أمراً خطـ.ـيراً، سيجـ.ـرُّ عليه ويـ.ـلاتٍ كثيرة، فالأتراك لن يتوقفوا عن الزحـ.ـف تجاه الأناضول. ولهذا كان قراره حاسـ.ـماً: سنسير ونقـ.ـاتل السلاجقة ونبعـ.ـدهم عن حـ.ـدودنا.

هل يمكنك القضـ.ـاء على السلاجقة يا رومانوس؟

لم يسأل الإمبراطور نفسه هذا السؤال، فقد كان جيـ.ـشه ضخـ.ـماً للغـ.ـاية، وتقدره المصادر الإسلامية بـ200 ألف مقاـ.ـتل.

ولا يبدو أنّ هذا الرقم صـ.ـحيحاً، لكنّ الحقيقة التي لا يمكن التشكيك فيها أنّ السلطان السلجوقي لم يجمع أكثر من 20 ألف مقـ.ـاتل، ويقـ.ـال إنّه جمـ.ـع 30 ألف مقاتـ.ـل، وكانت جيـ.ـوش البيزنطيين أكثر بكثير.

أغرت أعـ.ـداد البيزنطيين إمبراطورهم العسـ.ـكريّ المحـ.ـنّك. لكنّ السلطان ألب أرسلان أرسل يطلب منه التوصُّل إلى اتفاقٍ وحلٍّ سلميّ، رفـ.ـض الإمبراطور وأخبره أنّ التفاوض سيكونُ في عاصمتك! كنايةً على أنّه لن يهزمه فقط، بل سيـ.ـسيطر على عاصمته الريّ (في إيران حالياً).

زحـ.ـف رومانوس إلى منطقة ملاذكـ.ـرد وسيطـ.ـر عليها، وقسّـ.ـم جيـ.ـوشه لعدّة جيـ.ـوش، التـ.ـحم ألب أرسلان مع أحـ.ـدها وهـ.ـزمه هـ.ـزيمة نكـ.ـراء.

أراد أرسلان أن يستثمر هذا النصـ.ـر وأرسل للإمبراطور يخبره بطلبه الصلح، لكنّه رفض أيضـ.ـاً معتمداً على كثرة بقية جيـ.ـوشه .

وفي يوم اللقـ.ـاء الحاسـ.ـم 26 أغسطس/آب عام 1071، عندما كان الإمبراطور البيزنطيّ الشاب المحنّك ذو الـ41 عاماً يحشـ.ـد جيـ.ـوشه للقضاء على هذا “القـ.ـلق التركي السلجوقي” الذي أقضّ مضـ.ـاجعهم لسنين مضت، كان السـ.ـلطان الشاب ألب أرسلان (41 عاماً) أيضاً يحشـ.ـد جيـ.ـشه الصغير ولكن بطـ.ـريقةٍ مختلفة.

الإمبراطور البيزنطي

ارتدى السلطان رداءً أبيض، كنايةً عن الكـ.ـفن، وخطب في جـ.ـنوده أنّه سيطلب الشـ.ـهادة، وأنّه ليس مفـ.ـروضاً على أحدٍ منهم أن يتبعه في تلك المعـ.ـركة، ومن أراد الانسـ.ـحاب فلينـ.ـسحب!

كانت هذه الخطـ.ـبة الحمـ.ـاسية تخفي وراءها أيضاً تخطـ.ـيطاً عسـ.ـكرياً استثـ.ـنائياً. فقد شـ.ـكّل السلـ.ـطان ألب أرسلان جيـ.ـشه على شكل هلال. وترك للجـ.ـيش البيزنطي فرصة الهجـ.ـوم.

هجـ.ـم الجيـ.ـش البيزنطي الضخـ.ـم على وسط الجيـ.ـش، وهنا انسحبـ.ـت المقدمة، فظنّ البيزنطيون أنّهم يحققون نصـ.ـراً. وهنا انطبـ.ـقت ميمـ.ـنة الجيـ.ـش وميسـ.ـرته على الجيـ.ـش البيزنطي، فأحاطـ.ـته كالكمـ.ـاشة.

وهنا قاد السلطان ألب أرسلان بنفسه هجـ.ـوماً، واستطاع أن يأسـ.ـر الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع.

انتهت المعـ.ـركة بهذه الهـ.ـزيمة الضـ.ـخمة، وكانت نتـ.ـائجها التاريخية كبيرة للغاية.

فمن ناحية كانت هذه المعـ.ـركة بداية ثبات قدم الشعوب التركية في الأناضول، فقد أرغـ.ـم ألب أرسلان الإمبراطور البيزنطي على التخـ.ـلي عن بعض المنـ.ـاطق مثل أنطاكية والرها، وكذلك فقد نزل الإمبراطور البيزنطي على الشـ.ـروط السياسية القـ.ـاسية التي فـ.ـرضها السلطان السلجوقي المنتـ.ـصر.

ومن ناحيةٍ أخرى فقد زادت هيبة دولة السلاجقة في العالم الإسلامي. ومهدت لفتـ.ـح القسطنطينية عام 1453.

وكانت أحد أهمّ النتائج أنّ الإمبراطور البيزنطيّ الأسـ.ـير حين عاد للقسـ.ـطنطينية كان انقـ.ـلابٌ قد حدث، للإطـ.ـاحة به .

فقد كانت فضـ.ـيحة وقـ.ـوعه في الأسـ.ـر أكبر من أن يتقـ.ـبلها البـ.ـلاط. حاول الإمبراطور استـ.ـعادة حكـ.ـمه، لكنّه هُـ.ـزم وسُمِـ.ـلَت (فُقِأـ.ـت) عيـ.ـناه ونُـ.ـفي إلى جـ.ـزيرةٍ بعيدة ولم يلبـ.ـث أن مـ.ـات بعد المعـ.ـركة بعـ.ـامٍ واحـ.ـد.

المصدر : عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى