close
التاريخ

من طفل صغير فقير يجوب أسواق دمشق الى عالم يـ.ـؤرق مضـ.ـاجع الملوك وبائع الامراء .العز بن عبدالسلام ما حكايته ؟

ولد الإمام العزّ بن عبد السلام في دمشق عام 577هـ – 1181م، وعاش فيها وبرز في الدعوة والفقه، وقد نشأ في كنف أسرة متدينة فقيرة مغمورة لم يكن لها مجد أو سلطان أو منصب أو علم، حيث كان أبوه شديد الفقر .

وحين شب الطفل ساعد أباه في بعض الأعمال الشـ.ـاقة مثل إصلاح الطرق والتنظيف أمام محلات التجار،

وعندما مات الأب ولم يجد من يؤويه، توسط له الشيخ فخر الدين ابن عساكر، للعمل في الجامع الأموي، فساعد الكبار في أعمال النظافة،

وكان ينام ليلًا في زاوية بأحد دهاليز الجامع على الرخام، وفي ظل هذه الظروف الصعبة لم يستطع العز أن يطلب العلم في الصغر،

لكنه كان يشاهد حلقات العلم في المسجد بحكم عمله فيه، وكم تمنى أن يكون بين التلاميذ، إلى أن تعهده ابن عساكر وأمر بتعليمه القراءة والكتابة وحفظ القرآن،

أقبل العز على الكتب بشغف كبير، وعوّض ما فاته من سنين الدرس، إلى أن اطمأن ابن عساكر لمستواه، وضمه لحلقات درسه بعد أن دفع إليه ما يعينه على شراء ثوب صالح لحضور جلسات العلم.

وقد تتلمذ على يد كبار العلماء، حيث حضر أبا الحسين أحمد بن الموازيني، والخشوعي، وسمع عبد اللطيف بن إسماعيل الصوفي، والقاسم بن عساكر، وابن طبرزد، وحنبل المكبر، وابن الحرستاني، وغيرهم. وخرَّج له الدمياطي أربعين حديثًا عوالي. وتفقه على الإمام فخر الدين ابن عساكر.

خروج العز بن عبدالسلام إلى مصر

خرج العز بن عبد السلام من بيت المقدس إلى مصر واستقبله نجم الدين أيوب وأحسن استقباله وجعله في مناصب ومسؤوليات كبيرة في الدولة

وكان المتوقع أن يقول العز بن عبد السلام: هذه مناصب توليتها ومن المصلحة أن أحافظ عليها حفاظًا على مصالح المسلمين وألاَّ أعكِّر ما بيني وبين هذا الحاكم خاصة أن الملك الصالح أيوب –

مع أنه الملك أيوب رجل عفيف وشريف إلا أنه كان رجلاً جبـ.ـارًا شـ.ـديد الهيـ.ـبة حتى إنه ما كان أحدٌ يستطيع أن يتكلم بحضـرته أبدًا ولا يشـ.ـفع لأحد ولا يتـ.ـكلم إلا جوابًا لسؤال .

حتى إن بعض الأمراء في مجلسه يقولون: والله إننا دائمًا نقول ونحن في مجلس الملك الصالح أيوب: لن نخرج من المجلس إلا إلى السـ.ـجن فهو رجل مهـ.ـيب وإذا سجـ.ــن إنسانًا نسيـه ولا يستطيع أحد أن يكلِّمه فيه أو يذكره به وكان له عظـ.ـمة وأبـ.ـهة وخـ.ـوف وذعـ.ـر في نفـ.ـوس الناس سواءً الخاصة منهم والعامة.

فماذا كان موقف العز بن عبد السلام معه؟

في يوم العيد خرج موكب السلطان يجوس في شوارع القاهرة والشـ.ـرطة مصطفّون على جوانب الطريق والسيـ.ـوف مُسلـ.ـطة والأمراء يقبّلون الأرض بين يدي السلطان هيبة وأبهة (وهذه كانت عادة سيـ.ـئة موجودة عند الأمراء في ذلك الوقت) .

وهنا وقف العز بن عبد السلام وقال: يا أيوب (هكذا باسمـه مجردًا بلا ألقاب) فالتفت الحاكم ليرى: من الذي يخاطبه باسمه الصريح بلا مقدمات ولا ألقاب؟

ثم قال له العزّ: ما حُجَّتُك عند الله – عز وجل – غدًا إن قال لك: ألم أُبَوِّئْكَ ملك مصر فأبـ.ـحت الخمـ.ـور؟ ف

قال له الملك الصالح : أويحدث هذا في مصر؟ قال: نعم في مكان كذا وكذا حانة يباع فيها الخـ.ـمر وغيرها من المنـ.ـكرات وأنت تتقلّب في نعمة هذه المملكة؟

فقال: يا سيدي أنا ما فعلت هذا إنما هو من عهد أبي. فَهَزَّ العز بن عبد السلام رأسه وقال: إذن أنت من الذين يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) فقال: لا أعـ.ـوذ بالله وأصدر أمـ.ـرًا بإبطالها فورًا ومـ.ـنع بيع الخـ.ـمور في مصر.

بيعه الملوك

من مواقفه الشهيرة أيضًا والتي اصـ.ـطدم فيها مع الصالح أيوب نفسه أنه لما عاش في مصر اكتشف أن الولايات العامة والإمارة والمناصب الكبرى كلها للمماليك الذين اشتراهم نجم الدين أيوب قبل ذلك ولذلك فهم في حكم الرقيـ.ـق والعـ.ـبيد ولا يجوز لهم الولاية على الأحرار فأصدر مباشرة فتواه بعدم جواز ولايتهم لأنهم من العبـ.ـيد.

وكان كلما جاءته رقعة فيها بيع أو شراء أو نكاح أو شيء من هذا للمماليك الذين لم يحرروا أبطلها وقال: هذا عبـ.ـد مملوك حتى لو كان أميرًا وكبيرًا عندهم أو قائدًا في الجيش يَرُدُّه إذ لابد أن يُبَاع ويحرَّرَ وبعد ذلك يُصَحِّحُ بيعهم وشراءهم وتصرفاتهم كلها أما الان فهم عبـ.ـيد.

واشتـ.ـعلت مصر بغضـ.ـب الأمراء الذين يتحكمون في كل المناصب الرفيعة حتى كان نائب السلطان مباشرة من المماليك وجاءوا إلى الشيخ العز بن عبد السلام وحاولوا إقناعه بالتخلي عن هذه الفتوى ثم حاولوا تهـ.ـديده ولكنه رفـ.ـض كل هذا – مع أنه قد جاء مصر بعد اضـ.ـطهادٍ شديد في دمشق – وأصـ.ـرَّ على كلمة الحق.

فرُفع الأمر إلى الصالح أيوب فاستغرب من كلام الشيخ ورفـ.ـضه. فهنا وجد الشيخ العز بن عبد السلام أن كلامه لا يُسمع فخـ.ـلع نفسه من منصبه في القضاء فهو لا يرضى أن يكون صورة مفتي وهو يعلم أن الله عز وجل سائله.

وركب الشيخ العز بن عبد السلام حماره ليرحل من مصر وخرج خلف الشيخ العالم الأمة كلها حتى ذكر المؤرِّخون أنه خرج وراءه العلماء والصالحون والعباد والرجال والنساء والأطفال وحتى الذين لا يؤبه لهم -هكذا تقول الرواية- مثل: النجارين والصباغين والكناسين… وخرج كل أصحاب الحرف والمهن -الشريفة والوضيعة- الجميع خرجوا وراء العز بن عبد السلام في موكب مهيب رهيب.

ووصلت الأخبار إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب فأسرع بنفسه خلف الشيخ العز بن عبد السلام واسترضاه فقال له العزُّ: إن أردت أن يتولى هؤلاء الأمراء مناصبهم فلا بد أن يباعوا أولاً ثم يعتقهم الذي يشتريهم ولما كان ثمن هؤلاء الأمراء قد دفع قبل ذلك من بيت مال المسلمين فلا بد أن يرد الثمن إلى بيت مال المسلمين.

ووافق الملك الصالح أيوب وفعلاً فَعَلَها العز بن عبد السلام – رحمه الله – قام وجمع هؤلاء وأعلن عنهم وبدأ يبـ.ـيعهم وكان لا يبيع الواحد منهم إلا بعدما يوصله إلى أعلى الأسعار فلا يبـ.ـيعه تَحِـ.ـلَّةَ القسم وإنما يريد أن يزيل ما في النفوس من كبـ.ـرياء فكان ينادي على الواحد بالمزاد العلني وقد حكم مجموعة من العلماء والمؤرخين بأن هذه الواقعة لم يحدث مثيل لها في تاريخ البشرية كلها.

وفاة العز بن عبدالسلام

تُوفِّي العز بن عبد السلام (رحمه الله) سنةَ 660هـ/ 1261م، عن ثلاثٍ وثمانين سنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى