Uncategorized

الجزاء من جنس العمل

جميعنا نعتقد أن السعادة تكمن في الأخذ ولكنها تختلف عن ذلك تماما فدائما ما تكمن السعادة في العطاء وليس في الأخذ على الإطلاق، وقال أحدهم: “إن تعطي مما تملك فإنك تعطي القليل، أما إن تهب من نفسك فهذا عين العطاء”.


في قديم الزمان كان هناك رجل بلائه الوحيد تجمع في زوجته، كانت سليطة اللسان كثيرة الشك والظنون، لا تبالي باحتياجات زوجها ولا تلبي طلبات أبنائها، كلما نصحها ازدادت عندا وتجبرا، ولم يمنعه عنها إلا أبنائه، فقد كان له منها ثلاثة أبناء ذكور كل منهم يزيد عن أخيه في الأدب والتدين، وكأن الله سبحانه وتعالى يكافئه ويجعل تقوى وفلاح أبنائه ثمرة صبره على هذه الزوجة المتسلطة.

قرب عيد الأضحى، كان الرجل تاجرا ميسور الحال إلى حد ما، متعود بكل عيد أضحى يشتري كبشا طيبا ويقدمه للذبح بيوم العيد، وكعادته ذهب للسوق وانتقى أفضل كبش به، وأثناء عودته لمنزله ليفرح أبنائه وزوجته وجد بالطريق شيخا عجوزا لا يقدر على السير، فقد أنهكه المرض على ما يبدو، حمله الرجل ووضعه تحت شجرة ظليلة، وعندما سأله عن منزله أخبره بأنه لا يبعد بعيدا.

اضطر الرجل لإعطاء الكبش لإحدى الفتيان الصغار، وقام بوصف منزله ليعطيه لزوجته أو أحد أبنائه، وبالفعل ذهب الفتى للمنزل وقام بإعطائه لامرأة على حسب وصف الرجل وعلى حسب طلبه دون أن يخبرها بأي كلمة تأدبا؛ وقد وقع سوء تفاهم كبير، فقد أعطى الفتى الكبش لجيران الرجل، نادت الزوجة على زوجها مبشرة: “إن الله قد استجاب لدعائك، فقد وهبك كبشا لتضحي به في العيد كما تمنيت، وسبحان الله من أعطاني إياه لم يتفوه بكلمة واحدة حتى تدل على صاحب العطية”.

حمد الله زوجها كثيرا على عطائه، فرح أولاده بطريقة جعلت زوجة الرجل تغار وتتساءل من أين لهم بكبش الفداء وهم فقراء لا يجدون قوت يومهم!

وكل أفعالهم جعلتها تنتظر زوجها على أحر من نار الجمر، كان حينها الرجل قد حمل الشيخ العجوز وذهب به لمنزله، اطمئن عليه ورحل عائدا لزوجته وأبنائه؛ وعندما عاد وجدها عابسة والغضب يظهر على ملامحها، استعان بالله سبحانه وتعالى حتى يثبته في الكلام (اللهم ثبتنا بالقول الحسن في الحياة الدنيا وفي الآخرة)، وكان أول كلامها: “أعلمت؟! لقد اشترى جارنا لزوجته كبشا، لم أرعف حتى الآن من أين لهم بأمواله؟!، ألم تشتري واحدا بعد؟!، أم أنك ستفطر قلب أبنائك؟!…”

قطع حديثها قائلا: “بفضل الله اشتريت كبشا وفي انتظار وصوله”، خرج الرجل من منزله ولا يعلم ماذا بفاعل، توجه لجاره ليبين له حقيقة الأمر ويوضح سوء التفاهم الذي حدث، وما إن طرق الباب حتى خرج جاره: “أرأيت يا جاري العزيز لقد استجيبت دعوتي وأكرمني الله بكبش أفديه من حيث لا أدري، يا لكرم الله سبحانه وتعالى”.

خجل الرجل من قول كلمة واحدة، هنأ جاره وأخبره: “إنك رجل سليم القلب وتستحق أكثر من ذلك”، لم يرد أن يكسر قلب جاره ولا يحول فرحة أبنائه لحزن شديد، سار بعيدا وفوض أمره لله وحده سبحانه وتعالى، لم يشأ العودة للمنزل وبخاصة غدا العيد، فكيف سيقابل أبنائه الذين وعدهم بالأضحية؟!

تذكر الشيخ العجوز ففكر في زيارته والاطمئنان عليه قبل عودته للمنزل، وأول ما طرق الباب فتح له ابن الشيخ العجوز، استقبلوه أهل المنزل أحسن وأجل استقبال، رحبوا به أشد ترحيب جزاء ما فعل مع أبيهم الشيخ العجوز.

قاموا بضيافته وأثناء رحيله أصروا على إعطائه عجلا سمينا، وبالرغم من كل محاولات الرجل بالامتناع عن أخذه إلا أنهم في النهاية بطيبة أخلاقهم استطاعوا أن يقنعوه بأخذه، عاد الرجل لأبنائه وزوجته وبيده العجل السمين يجره من خلفه، امتلأ وجه الرجل بدموع الحمد، فقد امتنع عن كسر قلب جاره فوهبه الله سبحانه وتعالى بعطية أقيم من كبشه.

ولأول مرة بحياة الزوجة تسر من رؤيتها لشيء يجلبه زوجها، كان أبنائه في غاية السعادة والسرور وأنهم بالعيد سيقدمون عجلا كبيرا هكذا كأضحية لله سبحانه وتعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى