خطبة الجمعة باللغة العربية : صلاة الجمعة وآدابها
التَارِيخُ: 19. 07. 2019
“صَلاَةُ الْجُمُعَةِ وَآدَابُهَا”
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!
اَلْيَوْمُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ. وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَفْضَلُهَا بَرَكَةً وَأَعْظَمُهَا حِكْمَةً عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. اَلْيَوْمُ، هُوَ يَوْمُ العِيدِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَمَوْعِدُ الْاِجْتِمَاعِ الْأُسْبُوعِيِّ لْلْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ وَسِيلَةٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالسَّكِينَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ سَانِحَةٌ فَرِيدَةٌ لِتَأْسِيسِ جُسُورِ اْلإِخَاءِ والْأُنْسِيَةِ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَهُوَ مَنَاخٌ رُوحَانِيٌّ مُخْتَلِفٌ تَمَامًا اَلَّذِي يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَيَّامِ مِنْ حَيْثُ قِيمَتِهَا وَفَضِيلَتِهَا. وَيَتَحَدَّثُ لَنَا نَبِيُّنَا الْحَبِيبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ نَحْوَ التَالِي: « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا »
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
اَلْيَوْمُ، أَهَمُّ مَسْؤُولِيَّةٍ عَلَيْنَا الْوَفَاءُ بِهَا هِيَ أَدَاءُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ. فَإِنَّ صَلاَةَ الْجُمُعَةِ لَقَدْ فُرِضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَيَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي قَرَأْتُهَا آنِفًا فِي مُقَدِّمَةِ خُطْبَتِي هَكَذَا: ﴿ يَٓا اَيُّهَا الَّذ۪ينَ اٰمَنُٓوا اِذَا نُودِيَ لِلصَّلٰوةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا اِلٰى ذِكْرِ اللّٰهِ وَذَرُوا الْبَيْعَۜ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
وَاِسْتِنَادًا عَلَى ذَلِكَ، فَإنَّ عَدَمَ أَدَاءِ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَإِهْمَالَهَا غَيْرَ مُبَرَّرَةٍ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ اِحْتِجَاجٍ صَالِحٍ وَعُذْرٍ صَحِيحٍ فَإنَّهُ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَجَرِيمَةٌ عَظِيمَةٌ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُحَذِّرُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الذَّنْبِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ »
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!
كُلُّ مُؤْمِنٍ اَلَّذِي يَرْغَبُ فِي الْاِسْتِفَادَةِ مِنْ بَرَكَاتِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ هُوَ يَسْتَعِدُّ لِأَدَاءِ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ. وَهُوَ يَتَوَضَّأُ صَحِيحًا وَيُنَظِّفُ جِسْمَهُ جَمِيلاً. وَهُوَ يَحْرُصُ عَلَى أَنْ تَكُونَ مَلَابِسُهُ نَظِيفَةً وَمُنَاسِبَةً لِشَرْطِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ الَّتِي تُعِدُّ وَاحِدَةً مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ. وَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّ الْحُضُورَ في المَسْجِدِ بَعْدَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ ذُو رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ هُوَ مُخَالِفٌ عَلَى السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ. فَلِذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَى الْمَسْجِدِ يُعَطِّرُ بِالْعِطْرِيَّاتِ اللَّطِيفَةِ. فَإنَّهُ يَتَصَرَّفُ وِفْقًا لِرُوحِ الْعِبَادَةِ وَخُشُوعِ الْجَمَاعَةِ. وَهُوَ يَعْتَنِي بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، وَلاَ يَبْدَأُ إِلَى إِقَامَةِ الصَّلاَةِ قَبْلَ مَلْءِ الْفَرَاغِ فِي الصُّفُوفِ. وَهُوَ يَحْتَرِمُ بِصَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَيَتَجَنَّبُ مِنْ إِخْرَاجِ الضَّجِيجِ وَإِزْعَاجِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يُقِيمُ صَلاَتَهُ بِجَانِبِهِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ وَرِحَابِ الطَّاهِرِ، هُنَاكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى نَحْتَاجُ إِلَى الْاِهْتِمَامِ بِهَا، أَلاَ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ. فَإِنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ نِدَاءٌ رُوحِيٌّ مِنَ الْمِنْبَرِ إِلَى قُلُوبِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. فَإِنَّهَا نَصِيحَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَتَذْكِرَةٌ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَتَحْذِيرٌ لِمَنْ سَلَكَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ وَاِتَّبَعَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ. فَإِنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ دَعْوَةٌ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وكَذَلِكَ إِرْشَادٌ إِلَى الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ وَالْأَخْلاَقِ وَالْحَقِيقَةِ. كَمَا أَنَّهَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ عِبَادَةٌ تَمَامًا مِثْلَ الصَّلاَةِ.
وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ إِصْغَاءِ إِلَى الْخَطِيبِ بِهُدُوءٍ وَحَمَاسَةٍ أَثْنَاءَ قِرَاءَتِهِ الْخُطْبَةَ ضَرُورِيٌّ دِينِيٌّ قَطْعِيَّةً. أَمَّا التَّحَدُّثُ مَعَ الشَّخْصِ الْمُجَاوِرِ لَهُ أَوِ التَّعَامُلُ مَعَ الْهَاتِفِ الْمَحْمُولِ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ فَهُوَ يَتَسَبَّبُ إِلَى التَّبَاعُدِ عَنْ جَوْهَرِ الْخُطْبَةِ وَحِرْمَانِ مِنْ أَجْرِهَا. لِلْأَسَفِ الشَدِيدِ لَقَدْ زَادَتْ يَوْمًا بَعْدًا يَوْمٍ هَذِهِ السُّلُوكِيَّاتُ الْمُخَالِفَةُ لِرُوحِ الْعِبَادَةِ وَأَصْبَحَتْ أَكْثَرَ شُيُوعًا بَيْنَ جَمَاعَتِنَا. وَمَعَ ذَلِكَ، لَمْ يَتَسَامَحْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ السُّلُوكِيَّاتِ بَلْ هُوَ لَمْ يُرَحِّبْ حَتَّى بِتَحْذِيرِ الْمُسْلِمِ لِصَدِيقِهِ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ، وَاجْتِنَابًا مِنْ ذَلِكَ لَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ فِي هَذَا الصَّدَدِ قَائِلاً: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ لَغَوْتَ»
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُحْتَرَمُونَ!
فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ الْمُقَدَّسَ لَهُ مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمَزِيَّةٌ جَلِيلَةٌ عَلَى سَائِرِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، فَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَخَيْرُهَا، وَلَمْ تَطْلَعِ الشَّمْسُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ. إِذًا دَعُونَا نَسْعَى لِلاِسْتِفَادَةِ مِنْ بَرَكَاتِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفُيُوضِهَا. وَدَعُونَا نَجْعَلُ هَذَا الْيَوْمَ المُبَارَكَ وَسِيلَةً لِلِقَاءِ بَعْضِنَا مَعَ الْبَعْضِ وَالتَّعَاشُرِ وَالتَّلاَحُمِ مَعًا وَكَذَلِكَ لِلتَّعْزِيزِ رَوَابِطَ الْأُخُوَّةِ لَدَيْنَا. وَدَعُونَا نَنْتَهِزُ هَذَا الْيَوْمَ المُقَدَّسَ فُرْصَةً لِزِيَارَةِ بَعْضِنَا الْبَعْضَ وَاْلاِشْتِرَاكِ فِي سَعَادَةِ إِخْوَانِنَا وَالْانْقِسَامِ مِنْ أَحْزَانِهِمْ. وَدَعُونَا نَبْحَثْ عَنْ طُرُقِ الْحُلُولِ لِمُسَاعَدَةِ الْمُحْتَاجِينَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْمَرْضَى. هَيَّا بِنَا لِنَسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ فِي الْمَسَاجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعَائِلَةً مِثْلَمَا كَانَ فِي عَصْرِ السَّعَادَةِ. وَدَعُونَا نُعَوِّدُ أَطْفَالَنَا عَلَى إِقَامَةِ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْحُبِّ وَالتَّسَامُحِ وَنَدْعُو شَبَابَنَا إِلَى بَرَكَةِ الْجُمُعَةِ وَسَعَادَتِهَا.
وَدَعُونَا لاَ نَنْسَى أَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ جُزْءٌ مِنَ الصَّلاَةِ. وَنَحْتَرِمُ بِالْخُطْبَةِ وَلاَ نَشْتَغِلُ بِأُمُورٍ غَيْرَ الْخُطْبَةِ وَنُصْغِي إِلَى الخَطِيبِ. ونَتَجَنَّبُ مِنَ السُّلُوكِيَّاتِ الَّتِي لاَ تَتَّفِقُ مَعَ رُوحِ الْعِبَادَةِ. وَدَعُونَا نُوَجَّهُ فَقَطْ مَعَ أَجْسَادِنَا وَعُقُولِنَا وَقُلُوبِنَا إِلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَأُنْهِي خطْبَتِي بِبَشَارَةِ نَبِيِّنَا الْحَبِيبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ هُوَ يَقُولُ: «إِنَّ فِى الْجُمُعَةِ سَاعَةً لاَ يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ»