شاهد ترجمة خطبة الجمعة اليوم في تركيا باللغة العربية
التَّارِيخُ: 06.11.2020
الْمُؤْمِنُ صَاحِبُ مَسْؤُولِيَّةٍ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
إِنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ خَلَقَ الْإِنْسَانَ بِصِفَتِهِ كَائِناً يَتَمَتَّعُ بِالْعَقْلِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَسْؤُولِيَّةِ. وَقَدْ بَيَّنَ وَحَدَّدَ ضِمْنَ مَبَادِئِ الْإِسْلَامِ الْحُقُوقَ الَّتِي يَكْتَسِبُهَا كُلُّ إِنْسَانٍ مُنْذُ وِلَادَتِهِ وَكَذَلِكَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهَا.
كَمَا أَنَّهُ بَشَّرَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُرَاعُونَ هَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ وَالْوَاجِبَاتِ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْإِيمَانِ، بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَنَحْنُ بِصِفَتِنَا مُؤْمِنِينَ، فَإِنَّنَا نَحْمِلُ أَوَّلاً مَسْؤُولِيَّةً تُجَاهَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي نُدِينُ لَهُ سُبْحَانَهُ بِكَافَّةِ وُجُودِنَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيمَانَ بِهِ مِنْ الْقَلْبِ وَالتَّعَلُّقَ بِهِ بِحُبٍّ وَطَاعَتِهِ وَمُرَاعَاةِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ بِدِقَّةٍ وَاِنْتِبَاهٍ، هِيَ بِمَثَابَةِ دَيْنٍ فِي رِقَابِنَا.
وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّنَا نُؤَدِّي وَاجِبَاتِنَا وَمَسْؤُولِيَّاتِنَا تُجَاهَ أَنْفُسِنَا وَمُحِيطِنَا. فَنُدْخِلُ إِلَى حَيَاتِنَا كُلَّ مَا هُوَ حَلَالٌ وَطَيِّبٌ وَصَحِيحٌ وَصَالِحٌ؛ وَكَذَلِكَ نَعْمَلُ عَلَى الْاِبْتِعَادِ عَنِ الْحَرَامِ وَالْمُنْكَرِ وَكُلِّ عَمَلٍ خَاطِئٍ أَوْ سَيِّءٍ.
وَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ رِضَا رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَطُمَأْنِينَةَ كُلِّ نَفْسٍ اِسْتَوْدَعَنَا سُبْحَانَهُ أَمَانَتَهَا، هِيَ مَكْنُونَةٌ فِي اسْتِشْعَارِنَا لِلْمَسْؤُولِيَّةِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: “أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى”[1]. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا تَلِيقُ بِهِ حَيَاةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى الْمَسْؤُولِيَّةِ وَتَتَّسِمُ بِالْعَشْوَائِيَّةِ وَبِدُونِ مَبَادِئٍ وَبِلَا مِثَالِيَّةٍ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ وَفِعْلٍ لَهُ نَتِيجَتُهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَسَيَكُونُ لَهُ مُقَابِلُهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآخِرَةِ.
إِنَّ الْاِتِّسَامَ بِالرَّحْمَةِ هُوَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْمُؤْمِنِ كَمَا هُوَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ. وَإِنَّ مَدَّ يَدِ الْعَوْنِ لِلْمُعْسِرِ هُوَ وَظِيفَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ وَإِسْلَامِيَّةٌ مِثْلَمَا هُوَ الصَّوْمُ. وَإِنَّ تَأْدِيَةَ الْعَمَلِ بِشَكْلٍ أَمِينٍ وَدُونَ تَحَايُلٍ هِيَ وَظِيفَتُنَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالطَّاعَةِ مِثْلَمَا هُوَ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ.
إِخْوَانِي الْكِرَامُ!
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِفُ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَدِيثٍ شَرِيفٍ لَهُ بِقَوْلِهِ: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ ، وَتَرَاحُمِهِمْ ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”[2].
لَقَدْ اِهْتَزَزْنَا جَمِيعاً الْأُسْبُوعَ الْمَاضِي مَعَ الزِّلْزَالِ الَّذِي ضَرَبَ مَدِينَتَنَا الْجَمِيلَةَ إِزْمِيرَ.
وَقَدْ اِنْتَظَرْنَا كُلُّنَا بِجَانِبِ الْأَنْقَاضِ مَعَ وَجَعٍ يَسْكُنُ قُلُوبَنَا وَدُعَاءٍ عَلَى أَلْسِنَتِنَا وَأَمَلٍ فِي دَوَاخِلِنَا.
كَمَا أَنَّنَا تَأَهَّبْنَا كَشَعْبٍ تَحُفُّنَا عِنَايَةُ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَبِدَعْمٍ مِنْ دَوْلَتِنَا، وَاِنْتَفَضْنَا مِنْ أَجْلِ أَنْ نُضَمِّدَ جِرَاحَاتِنَا.
لَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَ حُدُوثِ الزَّلَازِلِ هُوَ أَمْرٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ. لَكِنْ، لَا يَجِبُ أَنْ نَنْسَى أَنَّ الْأَخْذَ بِالتَّدَابِيرِ وَالنُّزُولَ بِمُسْتَوَى الْأَضْرَارِ الَّتِي تَتَسَبَّبُ بِهَا الْكَوَارِثُ الطَّبِيعِيَّةُ إِلَى أَدْنَى حَدٍّ، هُوَ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَسْؤُولِيَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ.
نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْمِي وَيَحْفَظَ شَعْبَنَا الْعَزِيزَ مِنْ كَافَّةِ أَشْكَالِ الْكَوَارِثِ وَالنَّوَازِلِ. وَأَنْ يَرْحَمَ مَنْ وَافَتْهُمْ الْمَنِيَّةُ مِنْ إِخْوَانِنَا.
وَأَنْ يَمُنَّ بِالصَّبْرِ عَلَى أُسَرِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ الْمَكْلُومَةِ وَأَنْ يُنْعِمَ بِالشِّفَاءِ الْعَاجِلِ عَلَى جَرْحَانَا.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّنِي فِي نِهَايَةِ خُطْبَتِي هَذِهِ أَوَدُّ أَنْ أُعْلِمَكُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ. إِنَّهُ سَوْفَ يِتِمُّ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ الْقَادِمِ الْقِيَامُ بِغَرْسِ شَتَلَاتِ الْأَشْجَارِ بِأَمَاكِنَ مُحَدَّدَةٍ فِي عُمُومِ الْبِلَادِ وَذَلِكَ تَحْتَ عُنْوَانِ “نَفَسٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَنَفَسٌ لِلْعَالَمِ”.
بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّهُ سَيَتِمُّ مَنْحُ شَتَلَاتِ الْأَشْجَارِ إِلَى كَافَّةِ مُوَاطِنِينَا مِمَّنْ يَرْغَبُونَ بِتَجْمِيلَ الْأَوْسَاطِ الَّتِي يَعِيشُونَ فِيهَا وَذَلِكَ مِنْ قِبَلِ مُدِيرِيَّاتِ الزِّرَاعَةِ وَالْغَابَاتِ فِي الْمُحَافَظَاتِ وَالْبَلْدَاتِ.
وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّنَا نَدْعُو كَافَّةَ الْجُمُوعِ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْفَعَالِيَّةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُسَاهِمَ فِي تَشْجِيرِ وَطَنِنَا الْجَمِيلِ هَذَا.
[1] سُورَةُ الْقِيَامَةِ، الْآيَةُ: 36.
[2] صَحِيحُ مُسْلِمْ، كِتَابُ الْبِرِّ، 66.
المُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ