تعرف على الالية الجديدة التي اعتمدتها تركيا لدعم الليرة التركية وايصالها لحاجز ال10 ليرات
لا تزال أصداء الآلية الجديدة التي كشفتها تركيا لدعم عملتها المحلية، تتواصل محلياً وأجنبياً، تزامناً مع استمرار انتعاش الليرة التركية أمام الدولار، فيما يصف خبراء اقتصاديون هذه الخطوة بأنها “اختراع محلي” و”درس في فنّ إدارة الدول.”
وعقب الآلية المالية الجديدة التي كشفها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الاثنين الفائت، صعدت الليرة التي كانت انخفضت في وقت سابق بأكثر من 11% إلى حوالي 18.4 مقابل الدولا، بأكثر من 10% بعد إعلان أردوغان، وبلغ الدولار 12 ليرة، لتواصل الانتعاش إلى أن بلغت 10.30 ليرة للدولار الواحد، قبل أن تتراجع قليلاً.
وكان اتحاد البنوك التركية ذكر في بيان أنه تم تحويل مليار دولار إلى العملة التركية بعد تصريحات أردوغان، مما ساهم في ارتفاع الليرة.
وفي معرض تعليقه على الأمر، فسر الباحث الاقتصادي الدكتور أحمد مصبح الأداة المالية الجديدة بأنه سيتم تحديد سعر صرف طويل الأجل للشركات المصدرة عبر البنك المركزي بشكل مباشر وفي حال حدوث فروقات سيتم دفعها بالليرة للشركات المعنية، بحسب تقرير لـ “الجزيرة نت.”
وقال مصبح “وفق هذا القرار وما يتضمنه من تحمل الحكومة لجزء كبير من مخاطر وخسائر الشركات بسبب تقلبات سعر الصرف؛ تم بيع كميات من الدولار من طرف الشركات والبنوك والقطاع الخاص لتعزيز الليرة، الأمر الذي أسهم في صعود كبير لليرة خلال ساعات”.
وأكد على أنها خطوة من شأنها إعادة جزء من الثقة وتبديد التخوفات المستقبلية وتقليل مخاطر سعر الصرف، ولكن يبقى تخفيف وتيرة التصريحات أمرا ضروريا خلال الفترة القادمة، معتقدا أن اجتماع وزير المالية أمس مع جمعية البنوك التركية كان إيجابيا.
وأضاف مصبح “هناك موجات بيع كبير للدولار في محاولة لتحقيق هامش ربح من خلال قوة الليرة، لكن سهولة الانخفاض والارتفاع سوف يشكل خطرا على الاقتصاد في المرحلة القادمة، فإذا لم يكن هناك تدخلات تقيد عمليات المضاربات سوف تشهد الليرة اهتزازات أكبر صعودا وهبوطا.
ويأمل المواطنون بعدما ارتفعت الليرة بأن تنخفض أسعار البضائع التي ارتفعت حينما ارتفع الدولار، لكن اقتصاديين أكدوا أن كل شيء يتم إنتاجه وتصنيعه يحتاج إلى شهور ليعود سعره، أما السلع التجارية قد تشهد تحسنا بعد أسبوع.
من جهته، ذكر محمد إبراهيم الباحث الاقتصادي في جامعة إيجه أن الحكومة وفقا للأداة المالية الجديدة ستعمل على ضمان مخاطر سعر الصرف، أي أنه سيتم تحميل تبعات خفض الفائدة للموازنة الحكومية.
وقال “الحكومة تجازف كونها الآن تضخ الليرة وتشتري الدولار مرة أخرى بخسارة وبعد ذلك ستتحكم بسعر الصرف”.
وأضاف “إعادة جزء من الثقة المفقودة للشارع بعد طمأنته بخصوص مدخراته بالعملة المحلية واقتراح التعويض ودفع الفروقات، تحسب للرئيس الذي يحاول إدارة الأزمة رغم عدم وجود عوامل مساعدة”.
ولفت إبراهيم إلى أن الرئيس التركي الآن يحاول فقط إدارة الأزمة وتحمل بعض آثارها، وهو يرى أن ذلك أقل ضررا عليه من الدخول في انكماش.
وأوضح أن الحكومة ستذهب إلى أبعد ما يمكن في الدفاع عن الليرة وستحاول ذلك بكل الطرق الممكنة واختراع أدوات جديدة من أجل ذلك بما سيسببه من ضغط على استدامة المالية العامة.
ويرى إبراهيم أن التنبؤ بسعر صرف الليرة في المدى القصير أصبح أصعب ما يكون نتيجة للتدخلات المباشر والتدخلات المعاكسة، علاوة على أن هذا سيُصعب علاج التضخم وسيبقيه لأمد أطول في ظل الاستمرار نحو سياسات توسعية.
وقال “الاقتصاد يحتاج للاستقرار، فربما حتى الانتخابات القادمة ستبقى الأمور على شكل الفعل وردات الفعل بين الحكومة والأسواق ومحاولة المعارضة استغلال الأمر، فالمعارضة تريد توظيف التعثر وعدم الاستقرار الاقتصادي لصالحها بهدف زيادة نسبة التصويت لها، وعلى أمل أن ذلك يساعد مرشحها بالفوز في الانتخابات الرئاسية”.
اعتبر خبراء أن الذي حدث الليلة من ارتفاع الليرة التركية خلال ساعتين فقط بنسبة 25% أمام الدولار، درس مهما في فن إدارة الدول، وخصوصا قرار الحكومة بتعويض المواطنين عن فرق سعر الصرف في حال إبقائهم مدخراتهم في البنوك بالليرة التركية، مؤكدين أن هذا النموذج “اختراع تركي” وغير موجود في أي دولة في العالم، ولكنه -على الأقل حتى الآن- أعاد جزءا من ثقة الشارع في عملتهم المحلية بعدما تراجعت بصورة كبيرة بفعل تخفيض معدل الفائدة، وما سببته من أزمة اقتصادية أخيرة عصفت بالبلاد.
بينما ذكر اقتصاديون آخرون أن إجراءات الأداة المالية الجديدة أنتهجتها رئيسة الوزراء التركية السابقة تانسو تشيلر في تسعينيات القرن الماضي وأنها أفادت مؤقتا ورحلت الأزمة قليلا، ولكنها عادت بشكل أقسى لاحقا.
يُذكر أن الآلية المسماة “وديعة الليرة التركية المحمية من تقلبات أسعار الصرف” تضمن للمودع بالليرة عدم الوقوع ضحية لتقلبات أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقت الإيداع والسحب.