قصة القاتـ.ـل الجزء الأول
جلس وراء مكتبه متهالكاً … وضع رأسه بين يديه …. أخذ يفكر في حاله التي آل اليها ..لقد استطاع تحقيق طموحاته … نال اجازة الطب .. وسافر للخارج واختص في طب الأطفال وعاد طبيباً مشهوراً فاشترى مزرعة و أمن لنفسه كل وسائل الرفاهية فأصبح محط أنظار أعيان البلد وموضع حسدهم ….
الجميع يعتقدون أنه أسعد انسان في البلدة .. لكنهم لا يعرفون مشاعره ومدى التعاسة التي يشعر في أعماقه ….
قطع عليه أفكاره وهمومه صوت الممرض وهو يفتح عليه الباب قائلاً :
سيدي لم يبق أي زبون …
لقد تجاوزت الساعة التاسعة ليلاً …هل تريد فنجاناً من القهوة ؟؟
التفت اليه وقال له : لا اذهب أنت … أنا سأستريح قليلاً …لا تنسى أن تغلق الأبواب قبل ذهابك …
خرج الممرض فعاد الى أفكاره وهمومه واسترجع ذكريات حياته …
تذكر كيف ألحت عليه والدته لكي يتزوج … كان يومها في السنة الثامنة عشرة من عمره … لم يتحمس وقتها للفكرة … فطريق المستقبل لا تزال أمامه طويلة وحلمه الكبير بحاجة للتفرغ …
لم يستطع الصمود أمام الحاح أمه .. كانت تقول له : لن تقر لي عين حتى أرى حفيداً لي …
كانت العروس جاهزة عند والدته فسميحة ابنة الحاجة وهيبة فتاة حلوة ومهذبة …صحيح أنها لم تنل قسطاً وافراً من التعليم الا أنها سيدة بيت ممتازة وتتصل بقرابة مع والدته ….وبعد أقل من شهر تم الزواج ….
تتابع شريط الذكريات وكيف دخل كلية الطب بنفس العام …وكيف انجبت له سميحة ابنه البكر سمير ….وفرحت به جدته فرحاً شديداً وكانت تقول : ” الآن سأموت راضية ” وبعد ذلك بشهور انتقلت الى جوار ربها…
القيت مسؤولية الأعمال البيتية على عاتق سميحة لوحدها .. كانت تهتم بخدمته وخدمة كل من في البيت أما هو فقد كان مهتماً بدراسته ولم يهتم بسميحة كثيراً حتى أنه نادراً ما كان يشعر بوجودها دون شكوى منها أو تذمر …
لقد أصبح لديه ولدان عندما تخرج من الجامعة وبدأ حياته العملية …
أخذ يحس بعدها أن الفرق شاسع بينه وبين سميحة ولم يستطع أن يقدمها الى مجتمعه الجديد…
كان يضطر للامتناع عن حضور عدد كبير من السهرات العائلية فقد كانت سميحة تبدو أقرب لبنات الريف الساذجات ..
سافر خارج البلاد ليختص وهناك تعرف على هناء زوجته الجديدة وهي فتاة متعلمة ، أنيقة ، حلوة المعشر ، ذات سحر خاص وجاذبية … وقبل عودته من الخارج أرسل لسميحة ورقة الطلاق …. لكنه لم يبخل عليها بشيء وكان يرسل لها و لأولاده بسخاء….
كبر أولاده ولكنهم لم يحبوا الدراسة كما أحبها … حتى أن سميراً لم يستطع نيل الشهادة الاعدادية فترك المدرسة … وكانت دراسة أميرشقيقه الأصغر متعثرة… وسميحة لم تحسن تربية الأولاد رغم انه كان يرسل لها النقود بانتظام …
تتابعت افكاره ماذا يفعل مع أولاده وهناء ترفض حتى مجرد استقبالهم في بيتها … ؟؟؟؟
أحس بمزيد من التعاسة تغمره … أخرج دفتر مذكراته … وبدأ يسجل فيه بعضاً من مشاعره وأفكاره …
أحس بحركة خفيفة خلفه .. لاحظ شبح رجل يقترب منه … مد يده بحركة لا شعورية الى الدرج حيث يحتفظ بمسدسه … لكن الشبح كان أسبق منه ..اذ قذفه بتمثال برونزي كان موضوعاً على حافة النافذة …
تناثرت الدماء في أرجاء الغرفة …. فارق أبو سمير الحياة .. وكان آخر ما لمح في مخيلته…يتبع
الجزء الثاني من هنا