قصة بنتي المفق،وده كاملة
من حوالي 8 سنين بنتي بقت مفقودة، أنا فاكرة اليوم اللي ضاعت مني فيه زي ما يكون إمبارح، صحيت من النوم يومها قبل زوجي، ولمَّا نزلت تحت فوجئت بالباب الأمامي مفتوح، الخوف تملَّك من جسمي كُله وأنا بجري على أوضة بنتي عشان أتطمِّن عليها، لكن سارة مكانتش موجودة، وقتها.. كان عندها 4 سنين بس
الشُرطة دوروا عليها لشهور، لكن في النهاية.. البنت مالهاش أي أثر، أنا وزوجي طبعنا ولزقنا مئات البوسترات اللي فيهم صورتها وكلمة مفقودة، آلاف الناس اتصلوا بينا، لكن ولا واحد فيهم قدر يدينا معلومة واحدة مُمكِن تكون مُفيدة، أنا مش قادرة أصدَّق إن دا بيحصَل لنا؟ إزاي العالم مُمكِن يكون قاسي علينا بالشكل دا؟
أنا – طبعًا – كُنت متدمرة، مكُنتش بنام، مكُنتش باكل، بتنفس بصعوبة، لولا زوجي.. مكُنتش قدرت أتحمِل وأمُر بالأزمة دي، لكن هو كان موجود عشاني، أنا عارفة إنه هو كمان كان متدمَّر، لكنه كان بيتظاهر بالقوة عشاني، مكانش ينفع ننهار إحنا الإتنين، ومن حُسن حظي إنه كان قادر يتماسَك، على الأقل أدامي
كان دايمًا بيقول: ” هنعدي الأزمة دي ”
وكُنت بسأله: ” تفتكر هي لسَّه عايشة؟ ”
كان بيسكُت لحظات قبل ما يقول: ” مش عارف ”
مش عارفة إيه مؤلِم أكتر، إنها تكون لسَّه عايشة بس بتمُر بظروف قاسية وسيئة، ولا إنها ماتت
زوجي مبيحبش يتكلِّم عن الموضوع، في كُل مرة كُنت بسأله السؤال دا كان بيؤمرني أسكُت، أعتقد كُل واحد مننا بيعدي الحُزن بطريقته
وبطريقة ما، الأزمة دي قربتنا من بعض، على عكس اللي المفروض يحصل، إن كُل حد فينا يلوم التاني وحياتنا تنتهي، لكن إحنا قربنا من بعض وعلاقتنا بقت أقوى، يمكن عشان هو دايمًا كان موجود عشان يسندني لو وقعت، أعتقد إني لمَّا اخترته.. كُنت بختار صح، على الأقل فيه في حياتي حاجة صح
بعد سنوات اكتشفت إني حامِل مرة تانية، كُنت خايفة، حاسَّة إننا هنفشَل مرة تانية، لكن زوجي ساندني زي ما بيعمل دايمًا
قال بصدق: ” المرة دي هتكون مُختلفة ”
خلفنا بنت تانية، وسميناها جينيفر، كانت بتكبر أدام عينينا، أوجه الشبه اللي بينها وبين أختها الراحلة كانت كتير، شكلهم تقريبًا كان زي بعض، ضحكتهم مُتشابهة جدًا، جينيفر مكانتش بتحب اللعب الجديدة، كانت بتحب تلعب بألعاب سارة القديمة، بتحب نفس الأكل زي أختها، بتحب نفس أفلام الكارتون، حسيت إن ربنا إداني فرصة تانية
جينيفر كانت قريبة مني أكتر ما قريبة من والدها، وهو مكانش متضايق من دا، هو كان مركِّز أكتر على شُغله، مكانش مُهتَم أوي بالبنات وبتربية البنات وبالحاجات دي، وأنا عارفة إنها أنانية مني، بس أنا كُنت مبسوطة وفرحانة والبنت بتقضي وقتها كُله معايا، كُنت أنا المسؤولة عن إني أوديها الحديقة العامة عشان تلعب هناك، دي كانت مسؤوليتي
الأمر كان طبيعي، لحَد إمبارح حصل حاجة غريبة أوي، أخدت جينيفر كعادتي للحديقة العامة، هناك في ألعاب كتير هي بتلعب فيهم، وحوالين الألعاب دي غابة كبيرة، أنا بحب الغابة دي أد ما هي بتحب الألعاب، كُنت بتفرَّج عليها وهي بتلعب ومُستمتِعة
كانت بتتزحلَق على زحليقة لمَّا تليفون اتهز، طلعت تليفوني وبصيت، رسالة من زوجي، كان بيسألني هنتعشى إيه، رديت عليه برسالة بسُرعة، ورجعت تاني أتفرَّج عليها وهي بتلعب، لكنها مكانتش هناك، كُنت مرعوبة، بنتي اختفت، أنا بعدت عيني عنها لحظة.. لحظة واحدة بس
همست لنفسي بخوف وصوتي بيترعش: ” لأ.. تاني؟ ”
جريت زي المجنونة في الغابة وأنا بنده عليها، بدوَّر في كُل مكان، في النهاية لقيتها، قاعدة تحت شجرة، بتحفُر
ناديتها وأنا بجري ناحيتها: ” جينيفر! ”
لفت وهي بتقول بدهشة: ” ماما؟ ”
إيديها كانت متوسَّخة من التُراب، كان باين عليها القلق
سألتها وأنا بمسكها من كتفها: ” كُنتي بتفكري في إيه؟ إنتي عارفة أنا كُنت خايفة عليكي أد إيه؟ كان مُمكِن تتصابي أو تؤذي نفسِك! فاهمة؟ متعمليش كدا تاني أبدًا ”
قالت بحُزن: ” أنا.. أنا آسفة ”
حضنتها وأنا بتنهَّد من الارتياح
سألتها: ” بتعملي إيه هنا؟ ”
شاورت ناحية الحُفرة اللي كانت بتحفرها، رفعت حاجبي بدهشة وفضول
قُلتلها: ” ممنوع تلعبي في التُراب ”
قالت بحماس: ” بس أنا لازم أكمِّل حفر، لازم تشوفي ”
” أشوف إيه؟ ”
” ماما، لازم تكملي حفر، لازم تشوفي، بس لازم تحفري حفرة عميقة ”
مش عارفة ليه، بس حسيت إني لازم أسمع كلامها، عشان كدا لمَّا روحنا، مسكت الجاروف بتاعنا
قُلتلها: ” مُمكِن تقعدي مع بابا؟ أنا مش هتأخَّر ”
كانت بتترجاني: ” لا يا ماما، أرجوكي.. بلاش تسيبيني، أنا لازم أكون معاكي ”
قُلتلها: ” ماشي، بس تفضلي جنبي، متجريش بعيد، ولا تبعدي عني ”
” حاضر، هفضل جنبك، أوعدك ”
رجعنا تاني للحديقة، مشينا ناحية الغابة لحَد ما لقينا الحفرة اللي هي كانت بتحاوِل تحفرها، بدأت أحفر مكانها، مش عارفة حفرت أد إيه، بس في النهاية الجاروف خبط في حاجة ناشفة، مُمكِن أكون فضلت أحفُر ساعات مثلًا، جينيفر سمعت الكلام، فضلت قريبة مني وجنبي
حفرت برفق حوالين الشيء الصلب اللي خبطت فيه، لحَد ما اللون الأبيض بدأ يظهر، بدأت أبعد التراب لحَد ما عرفت هو إيه، كانت جُمجمة.. جُمجمة طفل صُغيَّر، وجنبها حاجة لمعت لمَّا نور الكشَّاف جه عليها، كان حلق.. حلق على شكل فراشة، الحلق اللي سارة كانت لابساه قبل ما تختفي
جسمي كُله بدأ يترعش وأنا بسألها: ” إيه دا؟ إيه دا بالظبط؟ ”
قالت وهي مُبتسمة: ” دي سارة يا ماما، كانت بتظهرلي طول عُمري وفي النهاية قالتلي على مكانها، بتقول إن بابا هو اللي سابها هنا ”
القصص دي حكوها ناس وقالوا إنها حصلت لهم بشكل حقيقي، وبالتالي دي لقطات من حياة بعض الأشخاص، اللقطات دي بتحمِل لمحة مُرعبة أو موقف مُخيف، مش قصص متألفة ولها بداية ونهاية، طبيعي جدًا إنك تلاقي بعض القصص بنهايات مفتوحة، والبعض الآخر بنهايات غريبة أو مُخيفة، في النهاية.. إحنا بشر، ومش كُل حاجة بتحصل في العالم حوالينا لازم نعرفها أو نفهمها بشكل كامل
وبرضه ابقى أقرأ أول كومنت.. لعل وعسى تلاقي فيه قفلة أو تفسير شوية للقصة
القصة النهاردة فيها تفاصيل كتير لازم نركِّز فيها
الأب اللي مثِّل أدام الكُل إنه حزين على بنته اللي ماتِت مع إنه قتلها عشان كان شاكِك في نسبها من غير ما يقول لمراته إنه شاكِك فيها، وكمِّل حياته معاها وخلِّف منها تاني بدون ما يبيِّن أي ندم على بنته اللي قتلها بإيديه
والأم اللي فهمت بروده على إنه تماسُك وقوة عشان يساندها في انهيارها، تجاهلت إنه مش بيقعد مع البنات، وتجاهلت إنه مش حزين على بنته الميتة، وفسرت كُل دا غلط
والبنت الصُغيرة اللي شافت روح/قرين أختها اللي ظهر وقالها على لعبها، والبرامج والأكل اللي بتحبه، وبقى مرجِع لكُل حاجة في حياتها، ودا خلى الأم تلاحظ وتقول إنها شبه أختها في حاجات كتير
السؤال المُخيف: البنت عرفت منين المكان اللي مدفونة فيه أختها اللي ماتت قبل ما هي تتولد بفترة؟
ملحوظة: الأب لمَّا زوجته بلغت عنه اعترف بكُل حاجة