الأخبار

خطبة الجمعة باللغة العربية اليوم في تركيا

خطبة الجمعة باللغة العربية في جميع مساجد تركيا بتارِيخ: 17.01.2020

إِدْمَانُ التُّكْنُولُوجْيَا وَأَخْلَاقُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام!
لَا شَكَّ أَنَّ الْغَايَةَ الْأَسَاسِيَّةَ لِدِينِنَا الْإِسْلَامِيِّ الْعَظِيمِ تَتَمَثَّلُ فِي حِفْظِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعَقْلِ وَالْعِرْضِ وَالْاِعْتِقَادِ لِلْإِنْسَانِ الَّذِي خُلِقَ بِصِفَتِهِ أَشْرَفَ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ وَأَكْرَمَهَا. وَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَعْتَبِرُ هَذِهِ الْقِيَمَ الْأَسَاسِيَّةَ الْخَمْسَ عَلَى أَنَّهَا مُصَانَةٌ وَلَا يَجِبُ الْمَسَاسُ بِهَا. وَلَا يَرْضَى بِأَنْ يَلْحَقَ الضَّرَرُ بِهَذِهِ الْقِيَمِ مَهْمَا كَانَتْ الْأَسْبَابُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَى جَمِيعِ الْحَيَاةِ وَجَوَانِبِهَا يَنْطَبِقُ أَيْضاً عِنْدَ اِسْتِخْدَامِ التُّكْنُولُوجْيَا وَعِنْدَ اِسْتِخْدَامِ الْاِنْتَرْنِتِ وَالدُّخُولِ إِلَى الْعَالَمِ الْاِفْتِرَاضِيِّ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ اِسْتِخْدَامَ التُّكْنُولُوجْيَا عَلَى الشَّكْلِ الَّذِي يَعْتَبِرُهُ الدِّينُ حَسَناً وَجَيِّداً، وَالَّذِي تُصَادِقُ الْأَخْلَاقُ عَلَيْهِ وَتُؤَيِّدُهُ، وَالَّذِي يَجِدُهُ الْعَقْلُ السَّلِيمُ صَحِيحاً وَصَائِباً، هُوَ مَا تَقْتَضِيهِ النَّظْرَةُ الْإِيمَانِيَّةُ وَتَسْتَوْجِبُهُ. أَمَّا النَّظَرُ إِلَى هَذِهِ الْمَسَاحَةِ عَلَى أَنَّهَا مَنْحاً بِلَا هَدَفٍ أَوْ غَايَةٍ وَبِلَا نَفْعٍ أَوْ فَائِدَةٍ وَبِلَا رَقَابَةٍ وَتَمْحِيصٍ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ تَعَدٍّ عَلَى الْقِيَمِ الْأَسَاسِيَّةِ الْخَمْسِ الَّتِي أَمَرَ الْإِسْلَامُ بِحِفْظِهَا وَرِعَايَتِهَا. وَذَلِكَ لِأَنَّ اِسْتِخْدَامَ التُّكْنُولُوجْيَا بِلَا وَعْيٍ وَإِدْرَاكٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَضُرَّ بِذَاتِ الشَّخْصِ مِنْ خِلَالِ التَّعَرُّضِ لِسَلَامَتِهِ وَصِحَّتِهِ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَضُرَّ أَيْضاً بِمَالِهِ وَمُلْكِهِ مِنْ خِلَالِ التَّسَبُّبِ فِي خَسَارَاتٍ مَادِّيَّةٍ تُصِيبُهُ. وَهُوَ كَذَلِكَ يَخْدِشُ عِفَّتَهُ وَطَهَارَتَهُ مِنْ خِلَالِ التَّوَجُّهَاتِ وَالْمُيُولِ الْغَيْرِ الأَخْلَاقِيَّةِ، وَيَجْرَحُ اِعْتِقَادَهُ وَإِيمَانَهُ مِنْ خِلَالِ الْإِدْيُولُوجِيَّاتِ الْمُتَطَرِّفَةِ وَالْمُنْحَرِفَةِ. كَمَا أَنَّهُ يُفْسِدُ لَدَيْهِ الْقَابِلِيَّةَ عَلَى التَّفْكِيرِ وَالْإِدْرَاكِ وَالْفَهْمِ، وَيُضْعِفُ الْمَلَكَةَ الْعَقْلِيَّةَ كَذَلِكَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي قَامَ بِإِنْشَاءِ هَذِهِ التُّكْنُولُوجْيَا مُسْتَخْدِماً الْمَوَادَّ الْخَامَ وَعَقْلَهُ الَّذِي وَهَبَهُ اللهُ إِلَيْهِ، لَا شَكَّ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِاسْتِخْدَامِهَا فِي طَرِيقِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ. وَإِذَا مَا كَانَ يَتَّجِهُ بِنَفْسِهِ إِلَى الْمُقَامَرَةِ بَدَلاً عَنْ الْكَسْبِ الْحَلَالِ وَيَمِيلُ إِلَى الْإِسْرَافِ بَدَلاً عَنْ مَيْلِهِ إِلَى التَّوْفِيرِ وَعَدَمِ التَّبْذِيرِ، وَإِلَى الْفَسَادِ الْأَخْلَاقِيِّ بَدَلاً عَنْ الْعِفَّةِ وَالطَّهَارَةِ، وَإِلَى الشِّدَّةِ وَالْعُنْفِ بَدَلاً عَنْ الرَّحْمَةِ وَالْمَرْحَمَةِ، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَكُونُ قَدْ وَقَعَ فِي خَطَأٍ كَبِيرٍ وَعَظِيمٍ. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ بِذَلِكَ يَنْشُرُ الْفَسَادَ بِيَدَيْهِ وَيُهَدِّدُ مُسْتَقْبَلَهُ بِالْخَطَرِ. وَمِنْ جَانِبٍ آخَرٍ، إِذَا مَا كَانَ يُهْدِرُ وَقْتَهُ أَمَامَ شَاشَاتِ الْهَاتِفِ أَوْ التِّلْفَازِ أَوْ الْحَاسُوبِ، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَكُونُ قَدْ جَنَى وَبَالاً عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عَائِلَتِهِ وَعِنْدَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَلِلْأَسَفِ الشَّدِيدِ فَإِنَّ عَدَدَ الْأُسَرِ الَّتِي يَعِيشُ أَفْرَادُهَا مَعَ بَعْضِهِمْ الْبَعْضَ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفٍ وَاحِدٍ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ بَعْضُهُمْ بِأَخْبَارِ بَعْضٍ، يَزْدَادُ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ التُّكْنُولُوجْيَا الَّتِي كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكْسِبَ الْإِنْسَانَ الْوَقْتَ وَتُوَفِّرُهُ عَلَيْهِ، بَاتَتْ فِي يَوْمِنَا الْحَاضِرِ فَخّاً هُوَ الْأَكْثَرُ خِدَاعاً، لِإِضَاعَةِ الْوَقْتِ وَقَتْلِهِ. رَغْمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْأَمْرِ فَيَقُولُ: “نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ والفَرَاغُ”

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ الْإِنْتَرْنِتَ وَوَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ الَّتِي أَخَذَتْ مَكَانَهَا فِي حَيَاتِنَا جَمِيعاً، يَجِبُ أَنْ لَا تَكُونَ عِبَارَةً عَنْ مَسَاحَةٍ سَائِبَةٍ وَبِلَا مَبَادِئَ وَبِلَا مَسْؤُولِيَّةٍ. وَإِنَّ مَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ هُوَ أَنْ يَتَحَرَّكَ دَائِماً مِنْ خِلَالِ الْوَعْيِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ، وَأَنْ يَمْتَثِلَ لِلْحُدُودِ الَّتِي وَضَعَهَا رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَنْ يَأْخُذَ مَكَانَهُ بِجَانِبِ الْحَقِيقَةِ وَالصَّوَابِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ. وَلَا يَجِبُ أَنْ نَنْسَى أَنَّ التَّعَدِّي عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ وَحَيَاتِهِم الْخَاصَّةِ عَلَى الْإِنْتَرْنِتِ وَعَلَى الْوَسَائِلِ الْإِجْتِمَاعِيَّةِ هُوَ مُحَرَّمٌ تَمَاماً مِثْلَمَا عَلَيْهِ الْحَالُ فِي الْحَيَاةِ الْعَادِيَّةِ الْوَاقِعِيَّةِ. وَإِنَّ كُلَّ خُطْوَةٍ لَا تَحْتَرِمُ الْخُصُوصِيَّةَ وَتُرَاعِيهَا تَتَنَافَى وَتَتَعَارَضُ مَعَ الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالَّذِي يَقُولُ “وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا” وَكَمَا أَنَّ الْكَذِبَ وَتَشْوِيهَ سُمْعَةِ النَّاسِ وَالْاِفْتِرَاءِ هِيَ آثَامٌ فِي الْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ، فَهِيَ أَيْضاً آثَامٌ فِي عَالَمِ الْبَثِّ الْاِفْتِرَاضِيِّ وَعَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ. وَلَا شَكَّ أَنَّ اللهَ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَرَانَا أَيْضاً فِي عَالَمِنَا الْاِفْتِرَاضِيِّ. وَسَوْفَ يُحَاسِبُنَا عَلَى أَقْوَالِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا وَأَفْعَالِنَا الَّتِي نَقُومُ بِهَا هُنَاكَ. وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي تَلَوْتُهَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ: ” وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه۪ عِلْمٌۜ اِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤٰادَ كُلُّ اُو۬لٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُ۫لاً ”

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
لَا شَكَّ أَنَّ عَيْشَ حَيَاةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ التُّكْنُولُوجْيَا بِشَكْلٍ كَامِلٍ هُوَ أَمْرٌ مُسْتَحِيلٌ وَغَيْرُ مُمْكِنٍ بِالنِّسْبَةِ لَنَا فِي يَوْمِنَا الْحَالِيِّ. وَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَطْلُبُ مِنَّا ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ. وَلَكِنَّ اِسْتِخْدَامَ التُّكْنُولُوجْيَا فِي ظِلِّ إِظْهَارِ الْحَسَّاسِيَّةِ تُجَاهَ الْحَلَالِ والْحَرَامِ وَفِي ظِلِّ حِمَايَةِ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَحِفْظِهَا وَدُونَ التَّعَدِّي عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ وَحُرِّيَّاتِهِمْ، هُوَ مَسْؤُولِيَّتُنَا الْأَوَّلِيَّةُ وَالْأَسَاسِيَّةُ. وَبِهَذَا يُمْكِنُ لَنَا أَنْ نَجْعَلَ مِنْ وَقْتِنَا أَكْثَرَ فَائِدَةً وَنَفْعاً وَأَنْ يَكُونَ جُهْدُنَا ذُو مَعْناً أَكْبَرَ. كَمَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُومَ بِبِنَاءِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَهَذَا الْعَالَمِ عَلَى الْخَيْرِ وَالْاِسْتِقْرَارِ وَالصَّلَاحِ. فَقَطْ يَكْفِي أَنْ نَقُومَ بِاِسْتِخْدَامِ التُّكْنُولُوجْيَا مِثْلَهَا مِثْلَ أَيَّ نِعْمَةٍ أُخْرَى وَنَحْنُ نُرَاعِي الْحُدُودَ وَالْاِعْتِبَارَاتِ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحَدَّدَهَا.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّنِي أَوَدُّ أَنْ أُشَارِكَكُمْ أَمْراً مُهِمّاً قَبْلَ أَنْ أَقُومَ بِإِنْهَاءِ هَذِهِ الْخُطْبَةِ. كَمَا تَعْلَمُونَ فَإِنَّ مَدَارِسَنَا الْاِبْتِدَائِيَّةَ وَالْإِعْدَادِيَّةَ تَبْدَأُ عُطْلَتُهَا النِّصْفِيَّةُ اِعْتِبَاراً مِنْ هَذَا الْيَوْمِ. وَإِنَّ رِئَاسَةَ الشُّؤُونِ الدِّينِيَّةِ سَوْفَ تَقُومُ خِلَالَ هَذِهِ الْعُطْلَةِ النِّصْفِيَّةِ بِتَنْفِيذِ بَرْنَامَجٍ وَإِقَامَتِهِ فِي جَمِيعِ مَسَاجِدِنَا تَحْتَ شِعَارِ “نُحِبُّ الْمَسْجِدَ وَنَلْتَقِي فيِ الصَّلَاةِ” وَذَلِكَ بِهَدَفِ تَرْسِيخِ عَادَةِ الْعِبَادَةِ لَدَى أَبْنَائِنَا وَتَعْزِيزِهَا وَتَقْوِيَتِهَا. وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّنَا نَنْتَظِرُ أَبْنَائَنَا وَشَبَابَنَا مَعَ أُسَرِهِمْ وَعَوَائِلِهِمْ فِي الْمَسَاجِدِ. وَإِنَّنَا نُؤْمِنُ بِأَنَّ الْجَمِيعَ وَفِي مُقَدِّمَتِهِمْ أَوْلِيَاءُ الْأُمُورِ سَوْفَ يُظْهِرُونَ الْحَسَّاسِيَّةَ الْلَّازِمَةَ تُجَاهَ هَذَا الْأَمْرِ. وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَأَنْ يَجْعَلَنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى