الأخبار

ما تأثير احتجاجات كازاخستان على تركيا؟ وهل ستعود الليرة التركية لانهيارها اثر الاحتجاجات التي تحصل مع الحليف الاقتصادي.؟

يشير مراقبون إلى أن رؤية أنقرة وموسكو تتقاطع في ضرورة عودة الهدوء والاستقرار للبلاد وبقاء الرئيس الحالي وعدم خلع النظام، مع تلبية مطالب المحتجين الاجتماعية والاقتصادية، وذلك على الرغم من تنافسهما الشديد في آسيا الصغرى، في حين ستكون واشنطن سعيدة بتطور الاحتجاجات بحيث تستثمرها في التضييق على موسكو.

كما فتحت أزمة الاحتجاجات في كازاخستان النقاش حول علاقتها بتركيا، كون “أرض الكازاخ” إحدى الدول الكبيرة الناطقة باللغة التركية؛ فتركيا وكازاخستان تربطهما علاقات تاريخية وثيقة ومصالح كبيرة، لتشابه الثقافة والعرق واللغة بينهما، فضلا عن التبادل التجاري المتنامي.

وفي بيان لها، أعربت وزارة الخارجية التركية -أول أمس الأربعاء- عن ثقتها التامة في قدرة الإدارة الكازاخية على تجاوز أزمة الاحتجاجات في البلاد، التي اندلعت جراء زيادة أسعار الغاز المسال.

وفي تصريح سابق، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن أنقرة ونور سلطان تملكان مفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة، في ظل وقوع كازاخستان كخط ربط بين آسيا الوسطى والأسواق العالمية عبر بحر قزوين.

نعرض في ما يلي عددا من الأسئلة والإجابات التي تشرح العلاقة الإستراتيجية بين الدولتين وتأثير الاحتجاجات المتدحرجة عليها.

ما جذور العلاقة بين تركيا وكازاخستان؟ وكيف تطورت إلى مرحلة الحلف الإستراتيجي؟

اتسمت العلاقات التركية الكازاخية بالتطور السريع منذ الأيام الأولى لإقامة العلاقات الدبلوماسية في الثاني من مارس/آذار 1992، وكانت تركيا من أوائل الدول التي تعترف باستقلال كازاخستان بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، وأسهم الزعيم التركي الراحل تورغوت أوزال في تأسيس وتطوير التعاون المثمر بين البلدين.

وقد لعب العامل الثقافي واللغوي دورا مهما في تقريب العلاقات، خاصة مع قمة إنشاء الأكاديمية التركية في الأستانة عام 2010، وقمة الدول الناطقة بالتركية عام 2011 في ألماتي التي تشهد حاليا مزيدا من الاحتجاجات.

وتوجد اتفاقيات عسكرية بين الجيش الكازاخستاني وشركة “أسيلسان” للصناعات الدفاعية التركية، وفي الوقت الحاضر يدرس في كازاخستان نحو 700 طالب تركي، كما يعمل هناك عشرات الأساتذة الأتراك، فضلا عن 400 شركة تركية تعمل في كازاخستان، نفذت إلى الآن مشاريع بلغت قيمتها 16 مليار دولار.

وخلال عام 1998، تم التوقيع على إعلان أنقرة، الذي أكد فيه رؤساء دول أذربيجان وجورجيا وكازاخستان وتركيا وأوزبكستان ووزير الطاقة بالولايات المتحدة الأميركية أهمية مد أنابيب تصدير النفط عبر بحر قزوين والقوقاز.

كما رعت كازاخستان محادثات “أستانة” حول سوريا، بمشاركة ممثلي الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران. وأرسلت كازاخستان مروحيتين وفريق إطفاء إلى تركيا من أجل المشاركة في إطفاء حرائق الغابات التي اشتعلت في عدة ولايات خلال العام الماضي.

وفي سنة 2015، قام الرئيس التركي أردوغان بزيارة رسمية إلى كازاخستان تقرر خلالها تسريع العمل في إطلاق مجلس العمل الموحد المشترك على أعلى المستويات، وشهدت الزيارة توقيع 19 عقدا بقيمة مليار دولار في مختلف مجالات الصناعة والتجارة، وإقامة منطقة صناعية مشتركة بين البلدين. كما زار الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف إسطنبول مع نهاية عام 2021، في سياق حضوره قمة منظمة الدول التركية.

كيف تقرأ أنقرة الاحتجاجات الجارية في كازاخستان؟ وما تأثير تلك الأحداث على تركيا؟
يرى الباحث في سياسة تركيا الخارجية وشؤون القوقاز الدكتور باسل الحاج جاسم -في حديثه للجزيرة نت- أن تركيا تنظر بعين القلق لما يحدث اليوم في كازاخستان، لما بين البلدين من روابط كثيرة بأبعاد مختلفة، فأي فوضى في فضاء الدول الناطقة بالتركية لها تأثير سياسي واقتصادي على تركيا التي تعمل منذ سنوات على تقوية الدول التركية تحت قيادتها.

وأشارت الخارجية التركية إلى أنها “تتابع عن كثب الاحتجاجات التي انطلقت الأحد (الماضي)، وأدت إلى استقالة الحكومة الكازاخية”، لافتة إلى أنها “تولي أهمية كبرى من أجل استقرار كازاخستان الصديقة”.

هل ممكن أن نشهد وساطة تركية أو من منظمة الدول التركية لاحتواء الأحداث؟

الوساطة التركية مستبعدة في هذه المرحلة، وفقا للدكتور الحاج جاسم، الذي قال “نحن أمام مشهد غير تقليدي؛ فلا نرى معارضة تحرك احتجاجات، وإنما محتجين على رفع أسعار الوقود، وحتى اللحظة لم تظهر قيادة لهذه الاحتجاجات بحيث يمكن التوسط بينها وبين السلطات، لا سيما أن الرئيس جمد قرار رفع الأسعار الذي كان سببا مباشرا وشرارة الاحتجاج، وأقال الحكومة”.

وعبرت الخارجية التركية عن “أملها في ضمان أمن ورفاه الشعب الكازاخي الشقيق”، مؤكدة “ثقتها في حكمة الشعب الكازاخي”، وتطلعها “لانتهاء الاحتجاجات في أقرب وقت”.

في حال تدهورت الأحداث أكثر هناك؛ هل ستقف أنقرة مع الرئيس الكازاخي أم مع المتظاهرين؟
يؤكد مُؤلف كتاب “كازاخستان والأستانة السورية” الحاج جاسم أن الأوضاع اليوم في كازاخستان أخذت منحى مختلفا، بعد سيطرة المحتجين على مطارات في العاصمة السابقة للبلاد ومدينة أكتاو (عاصمة البترول الكازاخستاني على بحر قزوين).

ويعتقد أن إعلان الرئيس سيطرة منظمات إرهابية على منشآت حيوية وطائرات، بينها أجنبية، وطلبه المساعدة من الشركاء في منظمة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، يؤكد أن الأزمة ليست بين معارضة وحكومة، لذلك تركيا تقف إلى جوار الاستقرار والرئاسة الكازاخية في مواجهة الفوضى.

ما أهمية كازاخستان لتركيا اقتصاديا؟

حسب معطيات رسمية، فإن البلدين حققا عام 2019 تبادلا تجاريا بلغت قيمته 3 مليارات و127 مليون دولار، وهو ما يمثل زيادة عن عام 2018 بمقدار مليار و233 مليون دولار.

وسجلت الصادرات الكازاخية إلى تركيا ارتفاعا كبيرا بنسبة 89% مقارنة بعام 2018، وكانت قيمة هذه الصادرات نحو 2 مليار و308 ملايين دولار، في وقت ارتفعت فيه الصادرات التركية إلى كازاخستان بنسبة 25%، أي أن قيمتها وصلت إلى 819 مليون دولار، بعد أن كانت 655 مليون دولار عام 2018.

وتسعى الحكومتان إلى رفع سقف التبادلات التجارية لتصل إلى 10 مليارات دولار خلال الفترة القادمة.

وأبرز الصادرات التركية إلى كازاخستان من المنتجات الكهربائية والمنسوجات، وفي المقابل تمثلت صادرات كازاخستان إلى تركيا في المواد الخام مثل النحاس والغاز الطبيعي والنفط والزنك وغيرها.

وقال رئيس مجلس إدارة جمعية العلاقات الاقتصادية الأوروبية الآسيوية التركية، حكمت إرن، إن أكثر من 500 مشروع برؤوس أموال تركية كازاخية في كازاخستان، فضلا عن 160 مشروعا برأسمال تركي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى