الأخبار

نص خطبة الجمعة في تركيا باللغة العربية اليوم 19 -11-2021

التَّارِيخُ: 19.11.2021 تشرين الثاني نوفمبر

عنوان الخطبة : اَلْعُنْفُ لَا يَتَوافَقُ أَبَدًا مَعَ كَرامَةِ الإِنْسانِ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!

فِي السَّنَةِ العاشِرَةِ لِلْهِجْرَةِ. اِجْتَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ وَأَصْحابُهُ الأَبْرارُ فِي أُمِّ القُرَى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ لِأَدَاءِ فَريضَةِ الْحَجِّ. حَيْثُ تَوَقَّفُوا عِنْدَ صَعيدِ عَرَفاتٍ، أَحَدَ أَرْكانِ الحَجِّ. وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الوَدَاعِ مُخَاطِبًا عَشَراتِ الْآلَافِ مِنْ المُؤْمِنِينَ فِي هَذَا المَكانِ المُقَدَّسِ، وَموَجّهًا رَسائِلَ مُهِمَّةً لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، حَيْثُ قَالَ: ” أَيُّهَا النّاسُ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا (عرفة) فِي شَهْرِكُمْ (ذوالحجة) هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا (البلد الحرام).”[1] وَبَعْدَ هَذَا التَّحْذيرِ تابَعَ النَّبيُّ الحَبيبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ قَائِلًا: “ألَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤمِنِ: مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ.”[2]

اَلْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

وَوَفْقًا لِدِينِنَا السَّامِيِّ دِينِ الإِسْلامِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ المَسَاسُ بِجَسَدِ وَشَخْصيَّةِ وَكَرامَةِ وَعِفَّةِ وَشَرَفِ أَيِّ إِنْسانٍ، كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، إِمْرَأَةً أَوْ رَجُلًا، شَابًّا أَوْ طِفْلًا. وَلِهَذَا السَّبَبِ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمَسَّ حَياةَ الآخَرِينَ وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ وَحُقوقِهِمْ الشَّخْصيَّةَ. وَلَا يَسْتَطيعُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَا يَضُرُّ شَرَفَهُمْ وَكَرامَتَهُمْ. وَلَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَوْقِفٍ أَوْ تَصَرُّفٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَضُرَّ أَيَّ كائِنٍ حَيٍّ أَوْ غَيْرِ حَيٍّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!

لِلْأَسَفِ، فَإِنَّ العُنْفَ ضِدَّ المَرْأَةِ، اَلَّذِي نَشْهَدُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ، يَجْرَحُ ضَمائِرَنا وَيُفْطِّرُ قُلوبَنا. وَكَذَلِكَ فَإِنَّ العُنْفَ اَلَّذِي لَا مَكانَ لَهُ فِي إِيمَانِنَا، هوَ جَريمَةٌ ضِدَّ الإِنْسانيَّةِ. فَالْعُنْفُ هوَ عَجْزٌ وَقَسْوَةٌ وَظُلْمٌ. والْعُنْفُ هوَ انْتِهاكٌ لِحَصانَةِ الرُّوحِ وَلَا يَتَوافَقُ أَبَدًا مَعَ كَرامَةِ الإِنْسانِ. ولَا يُمْكِنُ لِأَيِّ مُبَرِّرٍ أَنْ يَكونَ ذَريعَةً لِلْعُنْفِ.

فَالْعُنْفُ لَيْسَ لَهُ دِينٌ أَوْ لُغَةٌ أَوْ عِرْقٌ أَوْ جُغْرافيَّةٌ أَوْ مَكانَةٌ اجْتِماعيَّةٌ. والْعُنْفُ مَرْفُوضٌ وَغَيْرُ مَقْبولٍ بِأَيِّ شَكْلٍ مِنْ الأَشْكَالِ وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّنْ يَصْدُرُ. وَلَعْنَةُ اللَّهِ والْمَلائِكَةُ والنّاسُ أَجْمَعِينَ سَتَحُلُّ بِأُولَئِكَ الظَّالِمِينَ اَلَّذِينَ يَلْجَأُونَ إِلَى العُنْفِ وَيَقْتُلُونَ النَّفْسَ اَلَّتِي حَرَّمَها اللَّهُ. فَلَقَدْ أَصْبَحُوا وَصْمَةَ عَارٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. وَجَزاؤُهُمْ فِي الآخِرَةِ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المَصيرُ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!

إِنَّ اَلْأَساسَ وَالأَهَمَّ بِنَظَرِ دِينِنَا الحَنيفِ هوَ الشَّفَقَةُ والرَّحْمَةُ وَإِحْياءُ النَّفْسِ. وَعَدَمُ قَتْلِ أَوْ إِيذَاءِ أَيِّ نَفْسٍ عَصَمَها اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتابِهِ العَزِيزِ: “… مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.”[3]

وَفِي يَوْمِنَا هَذَا تُعرَضُ الكَثيرُ مِنْ صُوَرِ العُنْفِ والْقَسْوَةِ بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ عَلَى الشّاشَةِ، وَنَحْنُ مِنْ واجِبِنا تُجاهَ ذَلِكَ أَنْ نَتَحَزَّمَ بِالرَّحْمَةِ وَأَنْ نَتَصَرَّفَ بِإِنْصافٍ وَضَميرٍ. وَأَنْ نَجْعَلَ الحُبَّ والرَّحْمَةَ والْأُلْفَةَ والْمَوَدَّةَ جُزْءًا لَا غِنَى عَنْهُ فِي حَيَاتِنَا. وَأَنْ نَجْعَلَ أَزْواجَنَا وَأَطْفالَنا وَعائِلَتَنَا وَجِيرَانَنا وَجَمِيعَ مُحِيطِنَا  فِي مَأْمَنٍ مِنْ أَيْدِينَا وَلِسانِنا. وَيَجِبُ عَلَيْنَا الوُقوفُ ضِدَّ كُلِّ أَنْواعِ الخِطَابَاتِ والتَّصَرُّفاتِ اَلَّتِي تُؤَدّي إلى الْعُنْفِ وَضِدَّ كُلِّ شيْءٍ يُوَلِّدُ العُنْفَ وَيَنْشُرُهُ وَيُظْهِرُهُ عَلَى أَنَّهُ طَبِيعِيٌّ. وَبَذْلُ قُصَارَى جُهْدِنا لِلْقَضَاءِ عَلَى العُنْفِ وَحِمايَةِ كَرامَةِ الإِنْسانِ. وَإِلَى جانِبِ ذَلِكَ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَلَّا نَنْسَى أَيْضًا أَنَّهُ حَتَّى كَسْرَ القَلْبِ يُعَدُّ خَطِيئَةً أَكْبَرُ مِنْ تَدْميرِ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ. وَيَجِبُ أَنْ نَضَعَ فِي اعْتِبارِنا دَائِمًا أَنَّنَا وَرَثَةُ حَضارَةٍ تَتَجَنَّبُ حَتَّى إِيذَاءَ نَمْلَةٍ.

وَسَأَنْتَهِزُ الفُرْصَةَ بِأَنْ أَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَ جَميعَ إِخْوانِنا اَلَّذِينَ فَقَدُوا حَيَاتَهُمْ بِسَبَبِ تَعَرُّضِهِمْ لِلْعُنْفِ. وَعَسَى رَبُّنا القَديرُ يَهَبُنَا نِعْمَةَ أَنْ تَسُودَ الرَّحْمَةُ أَوَّلًا عَلَى قُلوبِنَا ثُمَّ عَلَى الأَرْضِ كُلِّها.


[1] صَحيحُ البُخاريِّ، كِتابُ العِلْمِ، 9.

[2] ابْنُ حَنْبَلٍ، الجُزْءُ اَلسّادِسُ، 22.

[3] سُورَةُ الْمَائِدَةِ، 5/32.

اَلْمُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى