الأخبار

أقصر طريق بين الشرق والغرب.. ممر يعبر تركيا سيحدث ثورة بالنقل، وإليك مميزاته ومن يحاول عرقلته … إليكم التفاصيل في الرابط

طريق النقل البري الوحيد بين الشرق والغرب يمر في منطقة شديدة التعقيد، تزخر بالقوى الإقليمية المتصارعة، وتتربص به دولة عظمى تريد إيقافه

إنه طريق الممر الأوسط الذي تنقل عبره بضائع الصين وآسيا الوسطى إلى أوروبا، والذي أصبح مرشحاً للتحول لواحد من أهم ممرات النقل في العالم.

فعبر العاصمة الأذربيجانية باكو، تمرّ سكة حديدية تمثل مسار النقل البري الوحيد بين الشرق والغرب، ويُطلق عليه اسم الممر الأوسط، حسبما ورد في تقرير لمركز “أسباب” للدراسات الاستراتيجية.

وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا وتعطّل سلاسل التوريد ونقص السلع الغذائية ورفع أسعار السلع، بدأ هذا الممر يحدث تغييراً في مسار التجارة العالمية، ويرى الكثيرون أنه قد يحدث ثورة في النقل والتجارة العالمية.

فمع استمرار الأزمة الأوكرانية والحصار الغربي على روسيا من المتوقع أن تزداد اتجاهات النقل بين آسيا الوسطى إلى أوروبا دون المرور بالأراضي الروسية الشاسعة،

من خلال تطوير الطرق الجنوبية التي تتجنب روسيا وتتجه من آسيا الوسطى إلى أوروبا عبر الموانئ البحرية في كازاخستان وتركمانستان

عبر بحر قزوين إلى ميناء باكو الأذربيجاني، ومنها لجورجيا ثم إلى تركيا، أو عبر الموانئ الجورجية على البحر الأسود وما بعده إلى الاتحاد الأوروبي.

الممر الأوسط.. أقصر طريق بين آسيا وأوروبا

يمتدّ الممر الأوسط بدءاً من الصين أكبر مصنع ومصدر في العالم، مروراً بكازاخستان، وقيرغيزستان وأوزبكستان، وتركمانستان في آسيا الوسطى،

ليعبر بحر قزوين وصولاً إلى أذربيجان ومنها إلى جورجيا قبل أن يتصل بأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ التركية.

ويمكن إرجاع اسمه “الممر الأوسط” إلى أنه يسير في وسط القارة الآسيوية، متجنباً العبور عبر الأراضي الروسية في الشمال في العقوبات الغربية على موسكو، وكذلك أراضي إيران التي تخضع لعقوبات أمريكية أسبق.

الممر الأوسط أقصر طريق بين شرق آسيا خاصة الصين وبين أوروبا مقارنة بالطرق البرية والبحرية الأخرى/ويكيبيديا
ويوفر الممر الأوسط

أقصر طريقٍ بري بين آسيا وأوروبا، لهذا زادت أحجام الشحنات فيه بمقدار ستة أضعاف عام 2022، حسبما ورد في تقرير لمركز “أسباب” للدراسات.

ويعتمد هذا الممر الذي تشجعه تركيا على موقعها عند نقطة الالتقاء الجغرافية التي تربط أوروبا، وروسيا، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط.

تركيا.. منفذ الشحن الرئيسي بالبحر المتوسط وها هي تعزز شراكتها مع بكين

وسعت تركيا إلى التكامل مع مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين، كما تعمّقت العلاقات الثنائية بين البلدين لدرجة أن تركيا والصين اتفقتا عام 2015 على تنسيق مشروعات البنية التحتية في البلدين.

من بين هذه المشروعات خط سكة حديد باكو-تبليسي-قارص الذي افتُتِح عام 2017 ويمر عبر جورجيا لتركيا، ليحل محل السكك الحديدية السوفيتية التي تمر عبر أرمينيا.

وأصبح الممر الأوسط أقصر طرق السكك الحديدية العابرة لمنطقة أوراسيا، ما يعزز خطة أنقرة لتصبح مركزاً للشحن بالحاويات بين الصين والاتحاد الأوروبي.

زادت تركيا حجم استثماراتها في البنية التحتية للموانئ بما في ذلك تطوير ميناء مرسين بتكلفة 3.8 مليار دولار، وتطوير ميناء فيليوس بتكلفة 870 مليون دولار، وكذلك تطوير ميناء إزمير بتكلفة 1.2 مليار دولار.

في عام 2015، اشترى ائتلاف تجاري صيني نحو ثلثي أسهم ميناء كومبورت التركي مقابل مليار دولار.

أبرز ميزات طريق الممر الأوسط: يخفض وقت الشحن من شهرين لأسبوعين
ويُتيح المشروع لبكين فرصة تنويع طرق التجارة لأن استقرارها السياسي وازدهارها الاقتصادي يعتمد على التجارة الدولية.

ويتفادى الممر الأوسط المرور بالمناطق عالية الخطورة مثل إيران وأفغانستان وروسيا ونقاط الاختناق مثل ملقا وسوندا ولومبوك.

ويعدّ الممر ضرورياً لبكين من أجل تنويع محفظة مشروعاتها الجيواقتصادية.

وتسعى بكين لإنهاء المشروع عن طريق بناء سكة حديد من قارص بشرق تركيا إلى أدرنة بغربها على الجانب الأوروبي من مضيق البوسفور، وذلك مروراً بجسر السلطان سليم الأول ونفق مرمرة.

عند ربطه بخط سكة حديد باكو (عاصمة أذربيجان)–تبليسي (عاصمة جورجيا)–قارص (بشرق تركيا)، سيختصر الممر الأوسط الطريق بمسافة 7,000 كيلومتر (بدلاً من الطريق البحري الأطول).

وستنخفض أوقات الشحن من شهرين إلى أسبوعين وسيرتفع عدد الركاب من مليون شخص إلى ثلاثة ملايين شخص.

وسيزيد حجم البضائع المنقولة من 6 ملايين إلى 15 مليون طن.

بحلول عام 2034، سيمثل الممر الذراع المركزي لما تصفه بكين بطريق الحرير الحديدي.

أهمية الممر الأوسط زادت قبل الحرب الأوكرانية الأخيرة واستخدامه شهد طفرة

كان الممر الأوسط بمثابة موضوع هامشي حتى وقتٍ قريب، وذلك على صعيد شؤون الجغرافيا الاقتصادية لأوراسيا، إذ اعتُبر أن جمعه بين الشحن البحري والسكك الحديد يجعله بمثابة نموذج متعدد يفتقر إلى الكفاءة مقارنةً بممر السكة

الحديد الشمالي المباشر في روسيا، علاوةً على أن دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان كانت تخشى تداعيات تقويض النفوذ الروسي، لهذا لم تكن هناك حركة كبيرة بطول الممر الأوسط قبيل الفترة الأخيرة.

لكن العقوبات المرتبطة بضم روسيا للقرم عام 2014، دفعت دول آسيا الوسطى إلى محاولة الخروج من عباءة موسكو، حسب مركز أسباب.

كما زادت أهمية تركيا بالنسبة للجانب الأوروبي بفضل ممر الغاز الجنوبي وهو خط الأنابيب الذي يمر عبر الأراضي التركية ليربط أذربيجان بإيطاليا مروراً بجورجيا واليونان وألبانيا.

الرئيس التركي رجب طيب أردوعان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين/رويترز
وأدى توقيع معاهدة الحدود البحرية لبحر قزوين عام 2018 إلى إزالة العوائق في وجه التكامل الإقليمي.

مع وجود البنية التحتية الجديدة بدأت أحجام التجارة عبر الممر الأوسط في الزيادة لترتفع بنسبة 50% بين عامي 2020 و2021.

وبدأ استخدام الممر بواسطة شركات مثل ميرسك الدنماركية وNurminen Logistics الفنلندية وRail Brigde Cargo الهولندية وCEVA Logistics الفرنسية وADY Container وشركات صينية.

هكذا أخذ الزبائن من روسيا

وأدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى صعود هذا الاتجاه، حيث تأثرت جميع التدفقات التجارية بين روسيا وأوروبا، وتراجعت الشحنات عبر الممر الشمالي بنسبة 40% الذي يمر عبر روسيا.

إذ تسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا في تحويل موسكو إلى شريكٍ غير موثوق من وجهة نظر الدول الأوروبية.

ومنذ بداية الحرب الأوكرانية جذب الممر الأوسط ثلث تجارة الممر الشمالي، ومن المتوقع أن تزيد حصته بستة أضعاف في 2022، مقارنةً بإحصاءات عام 2021، أي ما يعادل 3.2 مليون طن من البضائع.

استغلت أنقرة قوتها الناعمة لتحقيق المكاسب في آسيا الوسطى، فوقعت شراكات استراتيجية جديدة مع كازاخستان وأوزبكستان،

ثم وسّعت نطاق مسؤوليات منظمة الدول التركية التي تضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان بالإضافة إلى تركمانستان والمجر كعضوين مراقبين.

وتعمل الدول المشاركة في الممر الأوسط على: تقوية الاتصال فيما بينها بإضافة الموانئ والعبّارات والقطارات الجديدة، ووضع اللوائح والمعايير الفنية اللازمة لتطوير منظومة متكاملة لإدارة الجمارك والحدود.

أذربيجان وكازاخستان تتحركان بقوة
ولكن يعتمد نجاح الممر الأوسط على بحر قزوين وعلى العلاقة بين أذربيجان وكازاخستان.

وبالفعل، نجحت كل منهما في تطوير وتوسعة موانئها وأصبح لديها مطارات وسكك حديدية جديدة.

وتعمل كل من أذربيجان وكازاخستان على زيادة أسطولها من سفن الشحن حتى تستوعب زيادة معدلات الشحن.

الغاز قد يكون سلعة رئيسية يجرى نقلها عبر هذا الطريق

كما يمكن أن يكون الغاز إحدى السلع الرئيسية المنقولة عبر الممر الأوسط أو بمحاذاته، حيث تسعى تركيا إلى تنفيذ خطة تهدف إلى نقل الغاز من آسيا الوسطى لأوروبا،

للعمل على حل مشكلة الغاز التي تواجه العديد من دول القارة، جراء الأزمة الأوكرانية، ولكن الخطة تحتاج إلى قدر كبير من الحذر تحسباً لغضب روسيا ذات النفوذ الكبير في منطقة آسيا الوسطى.

وبعد اندلاع الحرب الأوكرانية بأشهر، أفادت تقارير بأن تركيا، وتركمانستان الدولة الغنية بالغاز، تعملان على صفقة، تشمل استيراد أنقرة الغاز من تركمانستان وتصديره إلى بلغاريا،

ومن المرجح أن تمتد الصفقة إلى أوروبا، في محاولة لتقليل اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-monitor الأمريكي.

خريطة آسيا الوسطى يظهر فيها إمكانية النقل من تركمانستان وكازاخستان إلى أذربيجان عبر بحر قزوين/ويكيبيديا
وفي يوليو/تموز 2022، قالت وسائل إعلام تركمانية إن البلاد تجري مباحثات مع أذربيجان وتركيا وجورجيا والاتحاد

الأوروبي بشأن إمكانية بناء خط أنابيب غاز بسعة 10 إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. وهذا يعادل سعة واحد من خطيْ مشروع أنابيب نورد ستريم 2 الروسي المعلق الآن

(الذي كان يفترض أن يحمل الغاز لألمانيا)، حيث تبلغ طاقة كل من خطيْ نورد ستريم على 27.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً.

ويقدر إجمالي احتياطي الغاز الطبيعي في تركمانستان بحوالي 50 تريليون متر مكعب.

وسيسمح المشروع الذي طورته شركة Trans Caspian Resources الأمريكية، بترتيب توريد الغاز الطبيعي التركماني إلى أذربيجان وإلى جنوب القوقاز وتركيا ودول أخرى في حاجة إلى الغاز، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.

من المتوقع أن يتم تنفيذ مشروع الربط العابر لبحر قزوين، والذي، وفقاً للتقديرات الأولية، سيستغرق حوالي أربعة أشهر، وسيتطلب استثمارات بقيمة 400 مليون دولار أمريكي،

سيكون أساس تنفيذ المشروع هو البنية التحتية المتاحة بالفعل في تركمانستان وأذربيجان في بحر قزوين، علماً بأن أذربيجان تقوم بالفعل بتصدير الغاز عبر خطوط أنابيب لتركيا وأوروبا.

عراقيل تواجه الممر الأوسط.. من يعترض على بناء سكك حديدية عبر بحر قزوين؟
ولا شك أن بناء سكة حديد عبر بحر قزوين هو أمرٌ ممكن فنياً، لكن موسكو وطهران لديهما حق الاعتراض على مشروع كهذا.

ومن المعروف أن هناك خلافاً بين الدول المتشاطئة على بحر قزوين هل هو بحر مغلق أم بحيرة كبيرة، حيث يؤدي ذلك لاختلافات في طريقة تقسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية والجرف القاري لكل دولة.

والبلدان الكبيران ليس من مصلحتهما إنشاء خط السكك الحديدية المقترح عبر قزوين لخدمة الممر الأوسط وتسهيل النقل البري المباشر عبره، لأن المرر يستبعدهما بسبب خلافاتهما مع الغرب.

ولهذا من المرجح أن يظل الممر الأوسط عالقاً في نموذجه المتعدد في وسائط النقل (بين بري وبحري)ـ وهو أمر مكلف نسبياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى